الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 241 ] 188 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تأويل قول الله جل وعز : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم

1206 - حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني خبيب بن عبد الرحمن قال : سمعت حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب يحدث ، عن أبي سعيد بن المعلى أنه كان في المسجد قائما يصلي فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى أتاه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما منعك أن تجيبني ؟ أما سمعت الله عز وجل يقول : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ؟ الآية ، ثم قال لي : ألا أعلمك سورة أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد ؟ فمشيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كاد أن يبلغ باب المسجد ، فذكرته قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته .

[ ص: 242 ]

1207 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه وهو يصلي فصلى ، ثم أتاه فقال : ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ؟ قال : إني كنت أصلي ! قال : ألم يقل الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ، الآية .

ثم قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن ؟ فكأنه نسيها أو نسي ، قلت : يا رسول الله ، الذي قلت ؟ قال : الحمد لله رب العالمين ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته
.

1208 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا عمر بن يونس اليمامي قال : حدثنا جهضم بن عبد الله ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه .

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن في كتاب الله عز وجل لسورة ما أنزل الله عز وجل علي مثلها ، فسأله أبي عنها ، فقال : إني لأرجو أن لا تخرج من الباب حتى تعلمها ، فجعلت أتباطأ ، ثم سأله أبي عنها ، فقال : كيف تقرأ إذا قمت في صلاتك ؟ قلت : أم الكتاب . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا في الإنجيل والقرآن أو قال : الفرقان مثلها ، إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته .

[ ص: 243 ]

1209 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : - وقرأ على أبي بن كعب أم القرآن - فقال : والذي نفسي بيده ، ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؛ إنها لسبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته .

[ ص: 244 ]

1210 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحمد لله هي أم القرآن ، والسبع المثاني ، والقرآن العظيم .

قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار أن فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم .

وقد روي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في ذلك : ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا محمد بن بكر البرساني ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : حدثني أبي ، أن سعيد بن جبير أخبره أن ابن عباس ، قال : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم . قال : وقرأها علي سعيد بن جبير : بسم الله الرحمن الرحيم ... الآية السابعة . وقال سعيد بن جبير قال لي ابن عباس : قد أخرجها الله عز وجل لكم ، وما أخرجها لأحد قبلكم .

[ ص: 245 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث من كلام ابن عباس أن فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم .

حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ولقد آتيناك سبعا من المثاني . قال : فاتحة الكتاب ، ثم قرأ ابن عباس : بسم الله الرحمن الرحيم ، وقال : هي الآية السابعة . وقرأ علي سعيد بن جبير كما قرأ عليه ابن عباس .

قال أبو جعفر : فكان ما في هذا الحديث خلاف ما في حديث ابن مرزوق ، وذلك أن في حديث ابن مرزوق أنها السبع المثاني والقرآن العظيم . وفي حديث بكار هذا أنها السبع من المثاني ، ولم يذكر غير ذلك . فاحتمل أن يكون معنى قول ابن عباس : ولقد آتيناك سبعا من المثاني : فاتحة الكتاب المرادة بأنها السبع المثاني ، وأن معنى : والقرآن العظيم أي وآتيناك القرآن العظيم ، والدليل على ذلك أنه جاء بالنصب ولم يجئ بالخفض مع أنه قد روي عن ابن عباس في السبع المثاني ما رواه مجاهد عنه أنها السبع الطول .

[ ص: 246 ] كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ولقد آتيناك سبعا من المثاني . قال : السبع الطول .

وروي عنه من رواية سعيد بن جبير عنه ما يوافق ما رواه مجاهد عنه مما ذكرنا . ويخالف ما رواه ابن جريج ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير عنه .

كما حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا محمد بن قدامة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن مسلم - يعني البطين - ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أوتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعا من المثاني الطول .

[ ص: 247 ] حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا علي بن حجر قال : أخبرنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله جل وعز : سبعا من المثاني قال : السبع الطول .

قال أبو جعفر : وكان الأولى بما روي عن ابن عباس في ذلك لما اختلف فيه عن سعيد بن جبير عنه ما رواه مجاهد عنه ، وقد روي عن علي بن أبي طالب أنها فاتحة الكتاب .

كما .

حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا الفريابي قال : حدثنا سفيان ، عن السدي قال : سمعت عبد خير الهمداني قال : سمعت عليا يقول في قوله عز وجل : ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال : فاتحة الكتاب .

[ ص: 248 ] قال : ثم رجعنا إلى طلب المعنى لما في حديث أبي سعيد بن المعلى ، ولما في حديث أبي هريرة في فاتحة الكتاب - أنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فوجدنا ذلك محتملا أن يكون أريد به أنها القرآن كله أي : في الثواب بها أنه كالثواب بالقرآن كله ، كما قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قل هو الله أحد أن الثواب بها كالثواب بثلث القرآن . وأطلق في بعض الآثار أنها ثلث القرآن .

1211 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري قال : حدثنا أبي قال : حدثنا شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن إبراهيم النخعي ، عن الربيع بن خثيم ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن كل ليلة ؟ قالوا : ومن يطيق ذلك ؟ قال : قل هو الله أحد .

[ ص: 249 ]

1212 - وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا محمد بن فضيل قال : حدثنا بشير أبو إسماعيل ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أقرأ عليكم ثلث القرآن ؟ فقرأ قل هو الله أحد ، حتى ختمها .

1213 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : جزأ الله القرآن ثلاثة أجزاء ، قل هو الله أحد جزء منه .

[ ص: 250 ]

1214 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي قيس الأودي ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في كل ليلة ، فكبر ذلك في أنفسهم . قال : الله الواحد الصمد ثلث القرآن .

1215 - وكما حدثنا أبو أمية قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : حدثنا مسعر بن كدام ، عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، [ ص: 251 ] عن أبي مسعود الأنصاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيعجز أحدكم أو يغلب أن يقرأ كل ليلة ثلث القرآن ؟ فكأنه ثقل عليهم ، فقال : الله الواحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثلث القرآن .

1216 - حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا حصين ، عن أبي قيس الأودي ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في كل ليلة ؟ فكبر ذلك في أنفسهم . قال : الله الواحد الصمد ثلث القرآن .

قال أبو جعفر : ففي هذه الأحاديث أن قل هو الله أحد ثلث القرآن بمعنى أنها ثلث القرآن بالثواب بها ، وقد روي أنها تعدل ثلث القرآن .

1217 - كما حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها . فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، [ ص: 252 ] وكأن الرجل يتقللها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنها لتعدل ثلث القرآن .

1218 - وكما حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة قال : حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي القطيعي قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : أخبرني أخي قتادة بن النعمان أن رجلا كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ قل هو الله أحد ، يرددها لا يزيد عليها ولا ينقص . فلما أصبحنا أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن فلانا قام من الليل فقرأ قل هو الله أحد ، يرددها لا يزيد عليها ولا ينقص ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن .

[ ص: 253 ]

1219 - حدثنا نصر بن مرزوق قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا محمد بن خازم ، عن موسى الصغير ، عن هلال بن يساف ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن .

1220 - وكما حدثنا أبو أمية والربيع بن سليمان الجيزي جميعا قالا : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري ، عن عمه ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن قراءة قل هو الله أحد فقال : ثلث القرآن أو تعدله .

[ ص: 254 ]

1221 - وكما حدثنا أبو أمية قال : حدثنا خالد بن مخلد القطواني قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : حدثني سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن .

1222 - وكما حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا المعلى بن منصور قال : حدثنا سليمان بن بلال ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 255 ]

1223 - وكما حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، وهو ابن سعيد ، عن يزيد بن كيسان قال : حدثني أبو حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : احشدوا ؛ فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن . فحشد من حشد ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ قل هو الله أحد .

ثم دخل ، فقال بعضنا لبعض : إني أرى هذا خبر جاءه من السماء ، فذاك الذي أدخله . ثم خرج ، فقال : إني قلت لكم : إني سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا إنها تعدل ثلث القرآن
.

قال أبو جعفر : فكان معنى ما في هذه الأحاديث من أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن هو معنى الأحاديث التي رويناها قبلها في قل هو الله أحد أنها ثلث القرآن ، وإذا جاز أن يكون ذلك في قل هو الله أحد بمعنى أنها في الثواب كثلث القرآن جاز في فاتحة الكتاب أيضا في الآثار التي رويت فيها التي تقدم ذكرنا لها في هذا الباب أنها القرآن أن يكون معنى ذلك أنها في الثواب بها كالثواب بالقرآن كله .

والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية