الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 282 ] 192 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله جوابا لابن عمر لما سأله عن أخذه الدنانير بالدراهم والدراهم بالدنانير في البيع : إذا كان ذلك من صرف يومكما وافترقتما ، وليس بينكما شيء - فلا بأس

1246 - حدثنا أبو أمية قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي قال : حدثنا إسرائيل بن يونس يعني : عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في حجرة حفصة ، فقلت : يا رسول الله ، رويدك أسألك ! إني أبيع الإبل بالنقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان ذلك من صرف يومكما ، وافترقتما ، وليس بينكما شيء - فلا بأس .

1247 - حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا محمد بن كثير قال : [ ص: 283 ] حدثنا إسرائيل ، ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه قال : لا بأس إذا أخذت بسعر يومك .

1248 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ( ح ) وحدثنا يونس قال : حدثنا يحيى بن حسان ( ح ) ، وحدثنا يزيد بن سنان قالوا : حدثنا أبو الوليد الطيالسي وعبيد الله بن محمد التيمي وعبد الملك بن إبراهيم الجدي ، وحدثنا محمد بن العباس بن الربيع اللؤلؤي قال : حدثنا إسماعيل بن مسلمة القعنبي أبو بشر ، ثم اجتمعوا جميعا فقال كل واحد منهم : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر .

ثم ذكروا جميعا مثله ، غير أن بعضهم جاء به على لفظ حديث أبي أمية ، وجاء به بعضهم على لفظ حديث يزيد ، عن محمد بن كثير .

فقال قائل : ما معنى سعر اليوم الذي يتصارفان فيه ، وقد رأينا البياعات تجوز بين الناس في مثل هذا بسعر يومها وبأكثر من سعر يومها ، وبأقل من سعر يومها لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك وفي جوازه وفي استقامته ؟ فما بال سعر يومها التمس في هذا الحديث ؟

[ ص: 284 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله جل وعز وعونه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دل عبد الله بن عمر في سؤاله إياه عما سأله عنه في هذا الحديث على الورع الذي يجب على الناس استعماله فيما سأله عنه ، وإن كان الأمر لو جرى بخلافه فيما سأله عنه لم يمنع ذلك من جواز البيع ووجوبه ، وذلك أن من كانت له دنانير على رجل أو كانت له دراهم فجاء يطلبها منه ، فبدل له مكان الدنانير دراهم أو مكان الدراهم دنانير ، ودعاه إلى أخذها بالذي له عليه من خلافها - جاز أن يكون يريد منه أن يهضمه مما له عليه بإعطائه به غيره ، وتدعو الضرورة صاحب الدين إلى أخذ ذلك ، واحتمال الضيم فيه والهضيمة من دينه ، فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر ما يكون إذا فعله بخلاف ذلك ، وأن يكون يعتبر سعر يومه فيما يعطيه غريمه بما له عليه من خلاف جنس ما يعطيه .

فإن كان ما يعطيه سعر يومه يهنأ لغريمه أن يتحول عنه بما يأخذه منه إلى من سواه من الباعة ، فيعطيه ذلك بمثل دينه الذي كان له على غريمه ، فينصرف موفورا ، ويصير أخذه ذلك من غير غريمه كأخذه إياه من غريمه ؛ لأنه قد عاد إليه مثل الذي كان له على غريمه . واستوى أخذه إياه من غير غريمه ، وأخذه إياه لو أخذه من غريمه .

وإذا أعطاه بغير سعر يومه خلاف دينه مما إذا تحول به إلى غيره من الباعة ، ثم طلب منه أن يعطيه به مثل دينه الذي كان له على غريمه - لم يعطه ذلك ؛ لما عليه فيه من الهضيمة ، فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمر التورع من ذلك ، واستعمال ما لا هضيمة فيه على غريمه ، وما يستطيع غريمه أن يتعوض به من غيره مثل دينه لا ما يستطيع ذلك .

وهذه حكمة جليلة لا يحتملها إلا الله عز وجل ، وهي التي ينبغي لذوي المعاملات أن لا يعدوها في معاملاتهم إلى ما سواها من أضدادها ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية