الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 35 ] 154 - باب بيان مشكل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا وإن صاحبكم خليل الله

999 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .

1000 - حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي الأحوص ، [ ص: 36 ] عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ مثله ، وزاد : ولكن أخي وصاحبي .

1001 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا أبي قال : سمعت يعلى بن حكيم يحدث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة ، فجلس على المنبر فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ، ثم قال : إنه ليس أحد من الناس أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل . سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر .

1002 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني مالك بن أنس ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين قال : يونس أحسبه ، [ ص: 37 ] عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .

1003 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : حدثني عمي عبد الله بن وهب قال : أخبرني مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ مثله .

قال أبو جعفر : ففيما روينا من هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعلامه الناس أنه لو كان متخذا خليلا لاتخذ أبا بكر خليلا ، وفي ذلك ما يدفع أن يكون أحد من الناس سواه له خليلا ، وقد كان قوم ينكرون على من يروي عنه من أصحابه رضوان الله عليهم قولهم : سمعت خليلي ، وقال خليلي ، فممن روي عنه إنكاره ذلك على من كان يقول منهم عامر الشعبي .

كما حدثنا أحمد بن علي بن عبد الأعلى البغدادي المعروف بجحيش قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا قال : حدثنا عاصم قال : قلت للشعبي : إن حفصة كانت تحدثنا عن أم عطية فتقول : حدثني خليلي يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال الشعبي : هذا من عقول النساء . أولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته : من كانت بيني وبينه [ ص: 38 ] خلة فقد رددتها عليه ، ولو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلا ؟

قال أبو جعفر : ثم كشفنا عن الخليل في هذا ما هو إذ كان الخليل في كلام العرب قد يكون من الخلة التي هي الصداقة ، وقد يكون من اختلال الأحوال .

1004 - فوجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبرأ إلى كل خليل من خلته ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر .

1005 - ووجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن حماد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ، عن عبد الله بن مرة ، عن أبي الأحوص [ ص: 39 ] قال : قال عبد الله : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبرأ إلى كل خليل من خلته ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، وإن صاحبكم خليل الله .

قال أبو جعفر : فكان فيما روينا من هذا دليل على أن الخليل المذكور في هذه الآثار هو الصديق لا الفقير ، وأن المعنى الذي سمي به خليلا فيها هو الصداقة والمودة لا ما سواهما ، وقد وجدنا هذا مكشوفا .

1006 - كما حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أبي المعلى ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة ، ولكن ود إيمان مرتين ، ولكن صاحبكم خليل الله .

[ ص: 40 ]

1007 - ووجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير ، عن بعض بني أبي المعلى وهو رجل من الأنصار ، عن أبيه وكان رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو كنت متخذا منكم خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن ود وإخاء إيمان ، وإن صاحبكم خليل الله .

قال أبو جعفر : فكان ما في هذه الآثار دليلا على ما ذكرنا ، وقد رويت هذه الآثار بمعنى زائد على المعاني التي ذكرناها فيها في هذا الباب .

1008 - كما قد حدثنا أبو أمية قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله .

وكما حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا [ ص: 41 ] المسعودي ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله في قول الله عز وجل : واتخذ الله إبراهيم خليلا : ألا وإن صاحبكم خليل الله ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة أكرم الخلائق على الله ، وتلا عبد الله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .

قال أبو جعفر : فاحتجنا إلى الوقوف على معنى ما أضيف من ذلك إلى الله عز وجل ، فوجدنا قائلا قد قال : المراد بخليل الله عز وجل في هذا فقير الله الذي لم يجعل فقره وفاقته إلا إليه لا إلى أحد من خلقه . ووجدنا غيره قد قال في ذلك : إنه المحب الذي لا خلل في محبته . ووجدنا غيره قد قال : هو المختص بالمحبة دون غيره من الناس .

وكل هذه التأويلات محتملات لما تؤولت عليه .

وقال غيرهم : إنها الموالاة . كأنهم يذهبون إلى أن الله عز وجل جعله له وليا ولاية لا ولاية فوقها ولا ولاية مثلها ، فاستحق بذلك إطلاق اسم الخليل من الخلة له .

واستدلوا على ما قالوا في ذلك .

1009 - كما حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن [ ص: 42 ] عبد الله بن الزبير قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وإن وليي منهم أبي خليل ربي عز وجل . ثم قرأ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا الآية .

[ ص: 43 ] وقالوا : فلما كان الله عز وجل له خليلا لم يجز أن يكون ذلك إلا من الخلة التي هي نهاية المحبة ، وإذا كان المعنى في أن الله عز وجل له خليل هو هذا المعنى كان المعنى الذي كان به خليلا لله عز وجل هو ذلك المعنى أيضا ، والله أعلم بمراده في ذلك .

قال أبو جعفر : ومما استدل به على استواء الولاية من الله عز وجل من خلقه ، ومعنى من يتولى الله عز وجل من خلقه أن الله عز وجل قال : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية . وقال : إن وليي الله الذي نـزل الكتاب وهو يتولى الصالحين . وقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين . وقال : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

في أشباه لذلك قد ذكرها عز وجل في كتابه ، وكانت الولاية فيها من الله عز وجل لمن يتولاه من عباده كالولاية التي يتولى الله عز وجل من يتولاه لا غير ذلك .

وإذا كانت الولاية فيما ذكرنا كذلك كانت الخلة فيما وصفنا أنها كذلك ، والله نسأله التوفيق .

وسأل سائل عن المعنى الذي من أجله لم يتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر خليلا .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه ، وهو ما بينه - صلى الله عليه وسلم - في حديث يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس الذي رويناه في هذا الباب أنه أفضل منه وهو خلة الإسلام .

ولما أخبر به في حديث أبي المعلى من ود الإيمان ، وكانت الخلة إنما تتخذ نسبها بالمودة التي قد تكون ولا إسلام معها ، وكان ما لا يكون إلا بالإسلام أو بالإيمان أفضل من ذلك ، فرد - صلى الله عليه وسلم - مكان أبي بكر منه إلى ذلك المعنى ، وجعله فوق الخليل . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية