[ ص: 5 ] 603 - باب بيان مشكل ما رواه عياض بن حمار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله عز وجل قال : إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل عليهم به سلطانا .
3875 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا عمر بن عمران السدوسي ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير .
عن عياض بن حمار ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : إن الله عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم من دينكم يومكم هذا ، وإن كل مال نحلته عبدي فهو له حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، فحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به عليهم سلطانا .
[ ص: 6 ]
3876 - وحدثنا مالك بن يحيى الهمداني ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، ثم ذكر بإسناده مثله .
3877 - وحدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن أبي داود جميعا ، قالا : حدثنا أبو عمر الحوضي ، قال : حدثنا همام بن يحيى ( ح ) وكما حدثنا يزيد وأحمد بن أبي داود ، جميعا قالا : حدثنا هدبة بن خالد ، قال : حدثنا همام ، ثم اجتمعوا جميعا فقالوا : حدثنا قتادة ، قال : حدثني العلاء بن [ ص: 7 ] زياد ويزيد أخو مطرف ورجلان آخران نسي همام أسماءهما أن مطرفا حدثهم .
أن عياض بن حمار حدثه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته ، ثم ذكروا مثله ..
3878 - وحدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا علي بن عبد الله بن هارون ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني أبي - قال أبو جعفر : وأبو أبيه هذا : هارون بن أبي عيسى قد روى ، عن محمد بن إسحاق - قال : وحدثني ثور بن يزيد ، عن يحيى بن جابر ، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي قال : وكان عبد الرحمن من حملة العلم يطلبه من أصحاب [ ص: 8 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب أصحابه أنه حدثه . عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما : ألا أحدثكم بما حدثني الله عز وجل في الكتاب ؟ إن الله عز وجل خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه ، فمن شاء اقتنى ومن شاء احترث ، فجعلوا مما أعطاهم الله عز وجل حلالا وحراما وعبدوا الطواغيت ، فأمرني الله عز وجل أن آتيهم فأبين لهم الذي جبلهم عليه ، فقلت لربي عز وجل أخاطبه : تثلغ قريش رأسي كما تثلغ الخبزة ، فقال لي : امضه أمضك ، وأنفق أنفق عليك ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ; فإني سأجعل مع كل جيش عشرة أمثالهم من الملائكة ، ونافخ في صدور عدوك الرعب ، ومعطيك كتابا لا يمحوه الماء ، أذكركه نائما ويقظانا ، فانصروني ، وقريش هذه فإنهم قد دموا وجهي وسلبوني أهلي وأنا باديهم ، فإن أغلبهم يأتوا ما دعوتهم إليه طائعين أو كارهين ، وإن يغلبوني فاعلموا أني لست على شيء ولا أدعوكم إلى شيء ..
[ ص: 9 ] [ ص: 10 ] قال : وقد كان مكحول يضارع حديث عبد الرحمن بن عائذ ، عن عياض بن حمار .
قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث لنقف على المراد بما فيه إن شاء الله ، فوجدنا الحنف في كلام العرب هو الميل ، ومنه قيل لصاحب القدم المائلة إلى ناحية : أحنف ، وكان الجمع للحنيف حنفاء ، فقيل من أجل ذلك ما قد قيل في هذا الحديث : إنهم مخلوقون حنفاء ، أي : ميلا إلى ما خلقوا له ، وهو ما ذكره الله عز وجل في قوله : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وكانوا بذلك حنفاء ، وكان في خلقه إياهم أن كتب بعضهم سعيدا وكتب بعضهم شقيا على ما في الآثار المذكورة في الباب الذي قبل هذا الباب ، وكان الشقي منهم من أطاع الشياطين فيما دعته إليه على ما في حديث عياض هذا ، والسعيد من خالف عليهم وتمسك بما خلقه الله عز وجل له من العبادة له ، وترك الميل إلى سواه ، وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية .
ما قد حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا عبد الله بن سالم ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء .
عن ابن عباس في قوله عز وجل وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ ص: 11 ] قال : على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي .
قال أبو جعفر : وكان في ذلك من تأويل ابن عباس ما قد دل على أن الخلق من الله عز وجل لعباده هو على ما كتب فيهم من طاعته ومعصيته وشقوته وسعادته ، لا يخرجون عن ذلك إلى غيره ، وإن كانت أعمالهم السعيدة كانت باختيارهم لها ، وأعمالهم التي تخالف ذلك كانت باختيارهم لها ، فكانت سعادتهم بأعمالهم المحمودة منهم وشقاوتهم لأعمالهم المذمومة منهم ، وكل ذلك مما قد تقدم من الله عز وجل فيهم أنهم سيعملون تلك الأعمال فيسعدون بها أو يشقون بها ، فعاد حديث عياض هذا والأحاديث التي ذكرناها قبله في الباب الذي قبل هذا الباب إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضا ولا يخالف بعضها بعضا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .


