الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 174 ] 626 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أمر به المشمت عند العطاس أن يقوله من: يهديكم الله ويصلح بالكم ومن: يغفر الله لكم .

4008 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثني ابن أبان يعني الأبيض بن أبان ، عن عطاء يعني ابن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي .

عن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول إذا عطس أحدكم : فليقل الحمد لله رب العالمين فإذا قال ذلك فليقل من عنده : يرحمكم الله ، وإذا قال له ذلك فليقل : يغفر الله لي ولكم .

[ ص: 175 ]

4009 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا الفضل بن سهل الأعرج ، قال : حدثني محمد بن عبد الله الرقاشي ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن .

عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين ويقال له : يرحمكم الله وإذا قيل له : يرحمكم الله فليقل : يغفر الله لكم .

هكذا حدثنا أحمد بن شعيب بهذا اللفظ فكان هذا الحديث عندنا أحسن من حديث الأبيض بن أبان ; لأنهما يرجعان إلى عطاء بن السائب ، وسماع الأبيض من عطاء بالكوفة وبها كان اختلاط عطاء ، وسماع جعفر بن سليمان منه بالبصرة ، وسماع أهلها منه صحيح لم يكن في حال اختلاطه منهم الحمادان حماد بن سلمة وحماد بن زيد .

وقد روى أبو عوانة هذا الحديث عن عطاء بن السائب فأوقفه على [ ص: 176 ] عبد الله ولم يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

كما قد حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا سهل بن بكار ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن قال كان ابن مسعود يعلمنا يقول إذا عطس أحدكم ، ثم ذكر مثل حديث الأبيض بن أبان ، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهل الحديث يقولون : إن سماع سفيان الثوري من عطاء بن السائب في حال صحته وكذلك شعبة وكذلك الحمادان ، ويقولون : سماع أبي عوانة منه في الحالين جميعا ، ولا يميزونه .

4010 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا ورقاء ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن خالد بن عرفجة قال : كنا مع سالم بن عبيد فعطس رجل من القوم فقال : السلام عليكم ، فقال سالم : وعليك وعلى أمك ، ما شأن السلام وشأن ما هاهنا ، ثم سار ساعة ، ثم قال للرجل : أعظم عليك ما قلت لك ؟ قال : وددت أنك لم تذكر أمي بخير ولا غيره ، قال : بينما نحن مع رسول [ ص: 177 ] الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقال : السلام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك وعلى أمك ، إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله رب العالمين أو على كل حال ، وليردوا عليه : يرحمك الله ، وليرد عليهم : يغفر الله لكم .

[ ص: 178 ] [ ص: 179 ]

4011 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا حبان بن هلال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن شيخ من أشجع قال : كنا مع سالم ، ثم ذكر مثله .

ففي هذه الآثار ما يقوله المشمت لمن شمته عند عطاسه وهذا مذهب الكوفيين منهم أبو حنيفة وأصحابه .

وقد خالفهم في ذلك الحجازيون منهم مالك وأصحابه ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

4012 - ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي والحسين بن نصر جميعا ، قالا : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح السمان .

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمكم الله وليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم .

[ ص: 180 ] ولا نعلم حديثا روي في هذا الباب أحسن إسنادا ولا أثبت من رواة هذا الحديث وقد روي فيه أيضا .

4013 - ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ووهب بن جرير وما قد حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد قالوا : حدثنا شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أخيه ، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى .

عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 181 ] ولما اختلفوا في ذلك هذا الاختلاف فكان مثل هذا غير مدروك بالنظر والاستنباط فنستعمل فيه ما استعملناه فيما سواه مما قد تقدم منا في كتابنا هذا ، غير أنا وقفنا على إجماعهم على أن الذي يقال للعاطس في ذلك هو الدعاء له فرأينا الدعاء بالمغفرة دعاء للعاطس بغفران ذنوبه ، ورأينا الدعاء له بالهداية دعاء قد يكون على واحد من وجهين أحدهما الدلالة على الأشياء المحمودة ومن ذلك قول الله [ ص: 182 ] عز وجل : اهدنا الصراط المستقيم ، ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء الذي علمه الناس في الوتر : واهدني فيمن هديت ، والآخر الثبوت على الأمور المحمودة ، ومن ذلك قول الله عز وجل : والذين اهتدوا زادهم هدى .

فكان في الدعاء بالهداية ما ليس في الدعاء بالغفران فكان الدعاء بذلك أولى من الدعاء بالغفران لا سيما وقد ضم إلى ذلك : ويصلح بالكم ، أي ويصلح صورتكم فوجب بذلك أن يكون هذا أولاهما ، وأن يكون هذا الذي يقوله المشمت لمن شمته .

فإن قال قائل فإن أهل القول الأول قد ذكروا أن ذلك القول يريد الدعاء بالهداية إنما كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود لا للمسلمين ليكون ذلك دعاء لهم أن يهديهم الله للإسلام .

4014 - وذكر في ذلك ما قد حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن حكيم بن الديلم ، عن أبي بردة .

عن أبي موسى قال : كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله ، فكان يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم .

[ ص: 183 ]

4015 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا سفيان ، عن حكيم بن الديلم ، عن الضحاك ، عن أبي بردة .

عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وزاد في إسناده على أبي نعيم ، عن الضحاك .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الذي في هذا الحديث ليس مما في الأحاديث الأول في شيء ; لأن الذي في هذا الحديث أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم : يرحمكم الله فكان يقول لهم : يهديكم الله ، فإنما كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم لليهود إذا كانوا عاطسين وليس يختلف أهل العلم فيما يقال للعاطس عند عطاسه وإنما يختلفون فيه هو الذي يقوله العاطس لمن شمته عند عطاسه فيقول بعضهم : يغفر الله لكم ، ويقول [ ص: 184 ] بعضهم : يهديكم الله ويصلح بالكم ، وليس حديث أبي موسى في هذا في شيء .

وإن قال أيضا فقد روي عن إبراهيم .

فذكر ما قد حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ( ح ) وما قد حدثنا أبو بشر الرقي ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن واصل ، عن إبراهيم قال : يهديكم الله ويصلح بالكم عند العطاس شيء قالته الخوارج لأنهم كانوا لا يستغفرون للناس .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن أولى الأشياء بنا أن يحمل ما قاله إبراهيم من هذا على أنه إنما كان منه لأنه لم يتصل به ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرنا ، ونحن نعلم أن مثله رضوان الله عليه على علمه وفقهه وعلو مرتبته لو اتصل به مثل هذا ما خالفه ولا قال بغيره ولكنه بشر يذهب عنه ما يذهب عن البشر .

ولقد حدثني يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش قال : قلت لإبراهيم : رجل صلى برجل أين يقيمه منه؟ فقال : عن يساره ، فقلت له فقد روى ابن عباس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقام عن يساره قال : فأخلفني فجعلني عن يمينه فقال إبراهيم : ما سمعت [ ص: 185 ] بهذا ، أي فلما سمعت به كان أولى من الذي قلت ، وهكذا يجب أن يستعمل فيه وفي أمثاله من أهل العلم رضوان الله عليهم ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية