الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 12 ] 604 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفعه ميراث المتوفى في زمنه إلى مولاه الأسفل الذي كان أعتقه .

3879 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ( ح ) وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، ثم اجتمعا فقالا : قال : أخبرنا عمرو بن دينار ، عن عوسجة .

عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رجلا مات ولم يدع وارثا إلا غلاما له كان أعتقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل له أحد ؟ قالوا : لا إلا غلاما له كان أعتقه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام .

[ ص: 13 ]

3880 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا أبو داود - يعني الحراني - قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار .

أن رجلا مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ابتغوا له وارثا ، فلم يجدوا له وارثا ، فدفع ميراثه إلى الذي أعتقه من أسفل ، قلت : من حدثك ؟ قال : عوسجة ، عن ابن عباس .

3881 - وحدثنا عبد الغني بن أبي عقيل ، قال : حدثنا أيوب بن سليمان الخزاعي الأعور ، عن حماد بن زيد ووهيب بن خالد ، عن عمرو بن دينار ، عن عوسجة مولى ابن عباس .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أعتق عبدا له ، فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للمعتق .

3882 - وحدثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي ، قال : حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن بن سعيد بن حسان المخزومي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عوسجة .

[ ص: 14 ] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك وارثا إلا عبدا هو أعتقه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه .

3883 - وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، قال : أخبرنا عمرو بن دينار ، عن عوسجة .

[ ص: 15 ] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ليس له وارث ، وقد ترك له مولى المتوفى أعتقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطوه ماله .

فقال قائل : كيف جاز لكم ترك حديث مثل هذا ، قد رواه هؤلاء الأئمة الذين رويتموه عنهم ، عن عمرو بن دينار ولم يرو عن غيره عنهم ما يخالفه ، والقياس يوجبه ; لأنا لم نجد أحدا يرث بمعنى إلا كان موروثا به ، من ذلك أنا رأينا ذوي الأنساب يرث بعضهم بعضا بها ، ورأينا ذوي التزويجات يرث بعضهم بعضا بها ، فيرث الأزواج الزوجات بها والزوجات الأزواج بها ، وإذا كان ذلك كذلك كان الولاء مثله ، إذا كان المولى الأعلى يرث به المولى الأسفل ، كان المولى الأسفل يرث به المولى الأعلى .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنا لو خلينا والقياس لكان القياس كما ذكر ، ولكنا لم نخل والقياس في ذلك إذ كان العلماء الذين تدور عليهم الفتيا في الأمصار من وجوه أهل الحجاز ومن وجوه أهل العراق وممن سواهم من وجوه بقية أهل الأمصار لم يستعملوا هذا الحديث بالقبول له ولا بالعمل به فكان ذلك منهم [ ص: 16 ] إخراجا له أن يكون من الآثار المستعملة ، وأن يكون من الآثار المقبولة ، ودل ذلك منهم أن يكونوا تركوه ; لأنهم لم يجدوا لعوسجة الذي يرجع إليه ذكرا في غير هذا الحديث ، أو يكونوا تركوه لمعنى وقفوا عليه فيه لم يجز معه استعماله .

ثم تأملناه نحن فوجدنا فيه أشياء تمنع من أن يكون المولى الأسفل وارثا من المولى الأعلى حق عتاق المولى الأعلى كان إياه .

فمن ذلك ما في حديث أحمد بن شعيب منها وهو : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ابتغوا له وارثا ، فلم يجدوا له وارثا ، فدل ذلك أن المولى الأسفل لم يكن وارثا له ، وأن دفع النبي صلى الله عليه وسلم إياه تركته كان نحو ما إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع في المال الذي لا مستحق له ، ثم من تمليكه إياه من يرى تمليكه إياه .

ومن ذلك ما في حديث علي بن شيبة ومحمد بن خزيمة منها وهو : " ولم يدع وارثا إلا غلاما له كان أعتقه " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل له أحد ؟ فقالوا : لا إلا غلام له كان أعتقه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام ، فاحتمل أن يكون ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم لمعنى كان بينه وبين الغلام من قبل النسب ، كان به عصبة له ، أو كان به ذا رحم منه ، فدفع إليه ميراثه لذلك لا لسبب الولاء الذي كان المتوفى عليه .

واحتمل أن يكون دفعه إليه بولاء كان للمعتق على الذي أعتقه ، كان به كل واحد منهما مولى لصاحبه ، وهو أن يكون المعتق بعد أن [ ص: 17 ] أعتق ملك أبا المعتق له وكان عبدا فأعتقه ، فصار بذلك مولاه ومولى أبيه فعاد المعتق والمعتق كل واحد منهما مولى لصاحبه ، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ميراث المتوفى إلى مولاه الأسفل ; لأنه مولى له أعلى . وما احتمل من التأويل ما قد ذكرنا لم يكن بأحد ما يحتمله أولى به مما يخالفه مما يحتمله أيضا إلا بدليل عليه ، إما من آية مسطورة أو سنة مأثورة أو من إجماع من العلماء عليه ، وذلك كله غير موجود فيما يوجب هذا المعنى ، بل الذي قد وجدناه مما العلماء عليه من خلافه يوجب أن يكون قولا شاذا لا يجب قبوله من قائله ، ويكون قول العامة من العلماء حجة عليه ، ولا يكون قوله حجة عليهم ولا معارضا لأقوالهم ; لأنهم الخلف الذين أخذوه عن السلف الذين كانوا قبلهم ، وكذلك كان من قبلهم خلفا للسلف الذين كانوا قبلهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في الأخلاف .

3884 - ما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز بن محمد الواسطي ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن رزيق أبي عبد الله الألهاني ، عن القاسم أبي عبد الرحمن .

عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .

[ ص: 18 ] [ ص: 19 ] [ ص: 20 ] قال أبو جعفر : والأخلاف هم الذين ذكرنا ممن يؤخذ العلم عنهم ، ويرجع فيه إلى أقوالهم ، لا من سواهم ممن لا يؤخذ العلم عنه ، ولا يرجع إلى قوله فيه لشذوذه الذي قد شذه ، ولانفراده الذي قد انفرد به ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية