الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 41 ] 608 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي لا يقيم صلبه بين ركوعه وبين سجوده .

3896 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا سليمان الأعمش ، قال : سمعت عمارة بن عمير ، عن أبي معمر .

عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث فوجدناه محتملا أن يكون أريد به لا صلاة متكاملة كما يجب على المصلي أن يأتي بها إذا لم يقم صلبه فيها بين ركوعه وبين سجوده بها وإن كانت تجزئه من فرض الصلاة على تضييع منه حظ نفسه فيها وتقصيره عن أعلى المراتب التي يؤتاها أهلها عليها حتى يستحق مع ذلك ما يستحقه من [ ص: 42 ] أتى بها بكمالها بفرائضها وبسننها ، وقد يغلظ الشيء فيقال فيه مثل هذا مما لا يخرج به من قيل ذلك فيه من المعنى الذي نهي عنه بذلك القول .

3897 - كما قد حدثنا محمد بن الورد البغدادي ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ( ح ) .

وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قالا : حدثنا أبو هلال الراسبي ، عن قتادة .

عن أنس قال : قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال : لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له .

[ ص: 43 ]

3898 - وكما حدثنا أحمد بن خالد بن يزيد الفارسي ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت وحميد ويونس ، عن الحسن وأخبرني رجل من ولد أبي بكرة قال: سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

فلم يكن من لا أمانة له لا إيمان له ، ولا من لا عهد له لا دين له ، ولكنه لا إيمان أعلى مراتب الإيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين أعلى مراتب الدين لمن لا عهد له .

ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يسم على وضوئه ليس [ ص: 44 ] أنه بتوضئه كذلك غير خارج من الحدث وقد بينا هذا في الباب واستشهدنا فيه بأشياء قد رويناها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابنا في الطهارة من شرح معاني الآثار يطول ذكرها كرهنا إعادتها هاهنا خوف طول الكتاب بها .

ثم نظرنا في هذا الحديث هل خولف شعبة في الألفاظ التي رواه بها .

3899 - فوجدنا عبد الملك بن مروان قد حدثنا ، قال : حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن أبي معمر .

عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه إذا رفع رأسه من الركوع والسجود .

3900 - ووجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا ، قال : حدثنا هلال بن يحيى بن مسلم ، قال : حدثنا أبو يوسف ، قال : حدثنا الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي معمر .

[ ص: 45 ] عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود .

فتأملنا ما روى الثوري وأبو يوسف هذا الحديث عليه ، عن الأعمش هل يخالف معناه معنى ما رواه عليه شعبة عنه أم لا ؟

فوجدنا قوله لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه إذا رفع رأسه من الركوع والسجود قد يحتمل أن يكون أريد به لا تجزئه الإجزاء الذي هو أعلى مراتب الإحسان ، وهو أولى ما حمل عليه حتى تتفق معاني الروايات التي روي عليها ولا تختلف .

ثم نظرنا هل روى هذا الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي مسعود أم لا .

3901 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 46 ] عبد الله بن يونس ، قال : حدثني ملازم بن عمرو الحنفي ، قال : حدثني جدي عبد الله بن بدر أن عبد الرحمن بن علي حدثه ، أن أباه علي بن شيبان حدثه ، أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فصلى بنا نبي الله صلى الله عليه وسلم فلمح بمؤخر عينه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود .

قال أبو جعفر : فكانت هذه الألفاظ التي روي بها هذا الحديث موافقة للألفاظ التي روى بها شعبة حديثه ، عن الأعمش الذي ذكرناه في الفصل الأول من هذا الباب فكان الذي يحتمل هذا الحديث هو مثل الذي ذكرنا من ما يحتمله حديث شعبة هذا .

ووجدنا أهل العلم يختلفون فيمن خر من ركوعه إلى سجوده في صلاته بغير رفع منه ظهره منهما ، فطائفة منهم تقول قد أجزأته صلاته مع الإساءة التي كانت منه فيها ومع تضييعه حظ نفسه في طلب استحقاق أعلى المراتب بها وأعلى ما يثاب من يأتي بها بخلاف ذلك [ ص: 47 ] على إتيانه بها كذلك وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن .

وطائفة منهم تقول لا تجزئه صلاته وعليه أن يعيدها وممن قال ذلك منهم أبو يوسف ، فنظرنا في ذلك لنقف على الأولى بما قالوه من ذلك وما يوجبه القياس فيه من هذين القولين وكانت الأركان التي الصلاة مبنية عليها منها الركوع الذي هو أحد أركانها ومنها السجود الذي هو أعلى أركانها ووجدنا كل واحد منهما فيه ذكر ولا قراءة فيه ، ثم وجدنا من رفع رأسه من سجوده في صلاته يرجع إلى جلوس ليس من صلب صلاته أعني بذلك الجلوس الأول منها لأنه متفق عليه أنه كذلك وأن من سها عنه فتركه ساهيا عنه لم تبطل بذلك صلاته وكان الجلوس الأخير منها مختلفا فيه ، فمن العلماء من يجعله كذلك [ ص: 48 ] ومنهم من يجعله بخلاف ذلك ويجعله من صلب الصلاة الذي لا يجزئ إلا به فاستشهدنا بالجلوس المتفق عليه وتركنا أن نستشهد بالجلوس المختلف فيه ، ولما كان الجلوس الذي يخرج من السجود إليه الذي ذكرنا من سنن الصلاة لا من صلبها كان مثل ذلك القيام الذي يخرج من الركوع إليه من سنن الصلاة لا من صلبها ، فثبت بذلك قول من قال إنه إذا تركه في صلاته لم تفسد بذلك صلاته والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية