[ ص: 387 ]  855 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه ببحر أيلة لملكها 
 5352  - حدثنا  إسحاق بن إبراهيم بن يونس  ، قال : حدثنا  هارون بن عبد الله الحمال  ، قال : حدثنا  عفان بن مسلم  ، قال : حدثنا  وهيب بن خالد  ، قال : حدثنا عمرو بن يحيى  ، عن  العباس بن سهل  ، عن  أبي حميد  ، قال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك حتى إذا جئنا وادي القرى  جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ملك أيلة  ، فأهدى له بغلة بيضاء ، فكساه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردا ، وكتب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببحرهم   . 
 [ ص: 388 ] فقال قائل : ما معنى كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ببحر أيلة  لملكها على ما في هذا الحديث ؟ 
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه قد يحتمل أن يكون البحر المراد في هذا الحديث السعة التي يدخل فيها بحر الماء وما سواه ، كذلك يقول أهل اللغة في البحر ، ويقولون : إنما سميت بحار الماء بحارا ; لسعتها وانبساطها ، حتى قالوا من أجل ذلك إذا استبحر المكان بدخول الماء إياه ، وانبساطه فيه : قد استبحر المكان ، ومنه قالوا : قد استبحر فلان في العلم : إذا اتسع فيه ، وبحرت الشيء : إذا شققته ، وبحرت الناقة : إذا شققت أذنها طولا ، ومنه البحيرة التي ذكرها الله في كتابه لما شق من أذنها . 
ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفرس الذي ركبه لأبي طلحة : " إنه بحر ، وإنا وجدناه بحرا  " . 
ومنه قول جابر بن زيد   : ولكن أبى ذلك البحر - يعني  ابن عباس   - لسعة ما كان عليه عنده في المعنى الذي قال فيه هذا القول . 
ثم طلبنا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، كيف كان ؟ لنقف على المعاني المرادة بما فيه إن شاء الله . 
 [ ص: 389 ] 
 5353  - فوجدنا  علي بن عبد العزيز  قد كتب إلينا يحدثنا عن  أبي عبيد القاسم بن سلام  ، عن عثمان بن صالح  ، عن  عبد الله بن لهيعة  ، عن  أبي الأسود  ، عن  عروة بن الزبير   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب لأهل أيلة : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه أمنة من الله - عز وجل - ومحمد  النبي - صلى الله عليه وسلم - ليحنة بن رؤبة  وأهل أيلة  لسفنهم ولسيارتهم ، ولبحرهم ولبرهم ، ذمة الله - عز وجل - وذمة محمد  النبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن كان معهم من كل مار من الناس من أهل الشام  واليمن  وأهل البحر ، فمن أحدث حدثا ، فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيبة لمن أخذه من الناس ، ولا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ، ولا طريقا يردونها من بر أو بحر   . هذا كتاب جهيم بن الصلت   . 
ووجدنا محمد بن عزيز بن عبد الله بن زياد بن عقيل الأيلي  قد ذكر لنا أن الكتاب الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كتبه ليحنة بن رؤبة  ولأهل أيلة  ، مما أخذوه كابرا عن كابر ، فأخذناه عن محمد بن عزيز   :  [ ص: 390 ]  " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه أمنة من الله - عز وجل - ومحمد  النبي - صلى الله عليه وسلم - رسول الله ; ليحنة بن رؤبة  وأهل أيلة  سفنهم وسيارتهم في البحر والبر ، لهم ذمة الله - عز وجل - ومحمد  النبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن يكون معهم من كل مار من أهل اليمن  والبحر ، فمن أحدث منهم ، فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيبة لمن أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ، ولا طريقا يردونها من بحر أو بر " . هذا كتاب جهيم بن الصلت  وشرحبيل   . 
فوقفنا بما في هاتين الروايتين على كتاب رسول الله في ذلك المعنى كيف كان ؟! 
ثم نظرنا في المعنى الذي من أجله كتب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الكتاب ، فوجدنا القادمين الذين كانوا يقدمون عليهم من اليمن  ومن الشام  كانوا على غير دين الإسلام من الشرك ، ومن النصرانية ، ومن اليهودية ، وكان لمن وافاهم من المسلمين في شيء من تلك المواضع أن يغنمهم ، كما نغنم من وجدناه في بلادنا من أهل الحرب ممن دخل إلينا بلا أمان ، فجعلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما كتب لهم مما ذكرنا بخلاف ذلك الحكم ، وجعلهم إذا دخلوا هذه المواضع آمنين على أنفسهم وعلى ما معهم من الأموال ، وكان في ذلك لمن كتب له ذلك الكتاب أعظم المنافع ; لأنهم يميرونهم ويجلبون إليهم الأطعمة التي يعيشون منها ، وما سوى ذلك من الأشياء التي ينتفعون بها ، لا سيما وأيلة لا زرع لها . 
 [ ص: 391 ] فإن قال : قائل أفكانوا يعشرون كما يعشر الحربيون إذا دخلوا من دار الإسلام سوى تلك المواضع بأمان ، ومعهم أموال يريدون التصرف فيها ، والبيع لها في دار الإسلام ؟ 
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه قد يحتمل أن يكونوا كانوا يعشرون كما يعشر من سواهم من تجار دار الحرب إذا دخلوا دار الإسلام بأمان بالأموال التي يحاولون التصرف بها في دار الإسلام ، ويحتمل أن يكون ذلك مما رفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم ليرغبوا بذلك في الحمل إلى ذلك الموضع ، كما خفف عمر   - رضي الله عنه - عن من كان يقدم المدينة  من ناحية الشام  بالتجارات ، فردهم من العشر إلى نصف العشر ; ليكون ذلك سببا لحملهم إلى المدينة  ، وسنذكر ما قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يوجب أن يعشر أهل الحرب مما يدخلون به دار الإسلام من التجارات ، وما روي عن أصحابه في ذلك فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله ، والله نسأله التوفيق . 
				
						
						
