الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 37 ] 798 - باب بيان مشكل ما روي عن عمر بن الخطاب وسهل بن حنيف - رضي الله عنهما - في أمرهما باتهام الرأي بما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك

حدثنا صالح بن حكيم البصري ، قال : حدثنا يونس بن عبيد الله - يعني العميري - قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، قال : اتهموا الرأي على الدين .

5036 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : [ ص: 38 ] حدثنا مالك بن مغول ، قال : سمعت أبا حصين ، قال : قال أبو وائل : لما قدم سهل بن حنيف - رضي الله عنه - من صفين ، أتيناه نستخبره ، فقال : اتهموا الرأي ، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ، ولو أستطيع أن أرد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره لرددت .

5037 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا [ ص: 39 ] هارون بن عبد الله - يعني الحمال - قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : سمعت سهل بن حنيف يوم الجمل ويوم صفين ، يقول : اتهموا رأيكم فلقد رأيتني يوم أبي جندل ، ولو استطعت أن أرد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرددته .

5038 - حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هارون ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثنا عبد العزيز - يعني ابن سياه - عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : أتيت أبا وائل فسمعته يقول : قال سهل بن حنيف : أيها الناس ، اتهموا أنفسكم ، لقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بيننا وبين المشركين - ولو نرى قتالا لقاتلنا .

[ ص: 40 ] فكان ما في حديثي عمر وسهل هذين ، على أن الرأي قد يصاب به حقيقة الصواب ، وقد يقصر فيه عن ذلك ، وإن كان استعمال الرأي في الحوادث التي لا توجد الأحكام فيها في الكتاب ، ولا في السنة ، ولا في إجماع الأمة منصوصا ، وإن كان قد أبيح اجتهاد الرأي في ذلك ، وأطلق لنا الحكم به ، قد يكون فيه إصابة الصواب في تلك الحوادث ، وقد يكون التقصير عن ذلك ، وإن كنا محمودين في اجتهادنا في ذلك ، إذ لا نستطيع غير ما قد فعلناه فيه ، وفي ذلك ما قد رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما تقدم منا في كتابنا هذا في الحكام ذوي الخلاف ، إذا حكموا فأصابوا ، فإن لهم أجرين ، وإذا حكموا فأخطؤوا فإن لهم أجرا واحدا ، إذ كانوا قد اجتهدوا بالآلات التي يجتهد بمثلها ، فأصابوا حقيقة الواجب فيما اجتهدوا فيه ، أو قصروا عنه ، وهذا قول أهل السلامة ممن ينتحل الفقه ، فأما من سواهم ممن قد دخل في الغلو في ذلك حتى قال : إنه إذا حكم بالاجتهاد ومعه الآلة التي لأهلها اجتهاد ، أنه قد حكم بالحق الذي لو نزل القرآن ما نزل إلا به ، ونعوذ بالله من هذا القول ومن أهله ، وإن كان بحمد الله قولا منكسرا ، وأهله محجوجون بما لا يستطيعون دفعه ، ولا الخروج منه ، فممن كان غلا في ذلك إبراهيم بن إسماعيل ابن علية .

فحدثني أبو جعفر محمد بن العباس ، قال : لما بلغني هذا القول [ ص: 41 ] عنه أعظمته ، فأتيته في يومي الذي بلغني ذلك القول عنه فيه ، فذكرت ذلك له لأحقق عليه أنه قد قاله ، فقال لي : قد قلته ، قال : فقلت له : هل استعملت في مسألة من الفقه رأيك ، واجتهدت فيها حتى بلغت عند نفسك غاية الاجتهاد الذي عليك فيها ، ثم تبين لك بعد ذلك أن الصواب في غير الذي كان أداك إليه اجتهادك فيها ؟ فقال لي : نعم ، نحن في هذا أكثر نهارنا ، قال : فقلت له : فأي القولين الذي لو نزل القرآن نزل به في تلك الحادثة ، هل هو القول الأول الذي قلته فيها ، أو هو القول الثاني الذي قلته فيها ، وقد بلغت في كل واحد من القولين الذي عليك أن تبلغه فيه من الاجتهاد ؟ قال : فانقطع والله في يدي أقبح انقطاع ، وما رد علي حرفا.

قال أبو جعفر : وقد أجاد أبو جعفر - رضي الله عنه - في ذلك وأقام لله - عز وجل - في حجة من حججه على من خرج عنها ، وغلا الغلو الذي كان فيه مذموما ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية