5624 5625 5626 5627 5628 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما ذهب من ذلك من شيء -قل أو كثر- بعد أن يقبضه المشتري؛ ذهب من مال المشتري وما ذهب في يدي البائع قبل أن يقبضه المشتري بطل ثمنه عن المشتري.
وقالوا: ما في هذه الآثار المروية عن رسول الله -عليه السلام- التي ذكرتموها فمقبول صحيح على ما جاء، ولسنا ندفع من ذلك شيئا؛ لصحة مخرجه، ولكنا نخالف التأويل الذي تأولها عليه أهل المقالة الأولى.
ونقول: إن معنى الجوائح المذكورة فيها: هي الجوائح التي يصاب الناس بها وتجتاحهم في الأرضين الخراجية التي خراجها للمسلمين، فوضع ذلك الخراج عنهم واجب لازم؛ لأن في ذلك صلاحا للمسلمين، وتقوية لهم في عمارة أرضهم، فأما في الأشياء المبيعات فلا؛ فهذا تأويل حديث جابر ، -رضي الله عنه- الذي في أول هذا الباب.
وأما حديث جابر الثاني فمعناه غير هذا المعنى، وذلك أنه ذكر فيه البيع ولم يذكر فيه القبض، فذلك عندنا على البياعات التي تصاب في أيدي باعتها قبل قبض المشتري لها، فلا يحل للباعة أخذ ثمنها، لأنهم يأخذونها بغير حق، فهذا تأويل هذا الحديث عندهم.
[ ص: 531 ] فأما ما قد قبضه المشترون وصار في أيديهم، فذلك كسائر البياعات التي يقبضها المشتري لها فتحدث بها الآفات في أيديهم، فلما كان غير الثمار يذهب من أموال المشتري لها لا من أموال باعتها؛ فكذلك الثمار.
فهذا هو النظر وهو أولى ما حمل عليه هذا الحديث؛ لأنه قد روي عن رسول الله -عليه السلام- ما قد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث (ح).
وحدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف (ح).
وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب (ح).
وحدثنا أبو أمية، قال: ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، قالوا: ثنا الليث، قالا جميعا: عن بكير بن الأشج ، عن عياض بن عبد الله ، عن أبي سعيد الخدري ، -رضي الله عنه- قال: "أصيب رجل في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدقوا عليه، فتصدق عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك".
فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار، وفيهم باعتها، ولم يرده على الباعة بالثمن، إن كانوا قد قبضوا ذلك منه؛ ثبت أن الجوائح الحادثة في يد المشتري لا تكون مبطلة عنه شيئا من الثمن الذي عليه للبائع .


