الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4541 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: أما المتوفى عنها زوجها فإن لها أن تخرج في عدتها من بيتها نهارا ولا تبيت إلا في بيتها، وأما المطلقة فلا تخرج من بيتها في عدتها لا ليلا ولا نهارا؛ وفرقوا بينهما لأن المطلقة في قولهم لها النفقة والسكنى في عدتها على زوجها الذي طلقها، فذلك يغنيها عن الخروج من بيتها، والمتوفى عنها زوجها لا نفقة لها فلها أن تخرج في بياض نهارها تبتغي من فضل ربها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري والليث وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا والشافعي وأحمد، ولكن في مذاهبهم تفصيل؛ فعند الليث ومالك والثوري: تخرج المعتدة من النهار سواء كانت رجعية أو مبتوتة، ولا تخرج بالليل.

                                                وعند الشافعي: الرجعية لا تخرج ليلا ولا نهارا، وإنما تخرج نهارا المبتوتة.

                                                وقال أبو حنيفة وأصحابه: أما المتوفى عنها زوجها تخرج نهارا ولا تبيت إلا في بيتها، وأما المطلقة فلا تخرج لا ليلا ولا نهارا.

                                                وحكى القاضي عياض عن محمد بن الحسن: أن الجميع لا يخرج، لا ليلا ولا نهارا.

                                                وقال الكاساني : المعتدة لا تخلو إما أن تكون معتدة عن نكاح صحيح أو نكاح فاسد، ولا تخلو إما أن تكون حرة أو أمة، بالغة أو صغيرة، عاقلة أو مجنونة، مسلمة أو كتابية، مطلقة أو متوفى عنها زوجها، والحال حال الاختيار، وحال الاضطرار.

                                                [ ص: 151 ] فإن كانت معتدة من نكاح صحيح وهي حرة بالغة عاقلة مسلمة والحال حال الاختيار فإنها لا تخرج لا ليلا ولا نهارا، سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائنا أو رجعيا.

                                                وأما المتوفى عنها زوجها فلا تخرج ليلا، ولا بأس أن تخرج بالنهار في حوائجها، وروي عن محمد: أنه لا بأس أن تنام عن بيتها أقل من نصف الليل، هذا في حال الاختيار، فأما في حال الضرورة فإن اضطرت إلى الخروج من بيتها، فإن خافت سقوط منزلها أو خافت على متاعها أو كان المنزل بأجرة ولا تجد ما تؤديه في أجرته في عدة الوفاة، فلا بأس عند ذلك أن تنتقل، وإن كانت تقدر على الأجرة لا تنتقل، وإن كان المنزل لزوجها وقد مات عنها فلها أن تسكن في نصيبها إن كان ما يصيبها من ذلك مما يكفى به في السكنى وتستتر عن سائر الورثة ممن ليس بمحرم لها، وإن كان نصيبها لا يكفيها أو خافت على متاعها منهم فلا بأس أن تنتقل.

                                                وكذا ليس للمعتدة من طلاق ثلاث أو بائن أن تخرج من منزلها الذي تعتد فيه إلى سفر، إذا كانت معتدة من نكاح صحيح وهي على الصفات التي ذكرناها.

                                                ولا يجوز للزوج أن يسافر بها أيضا.

                                                وكذا المعتدة من طلاق رجعي ليس لها أن تخرج إلى سفر سواء كان سفر حج فريضة أو غير ذلك، لا مع زوجها ولا مع غيره، حتى تنقضي عدتها أو يراجعها. وأما المعتدة في النكاح الفاسد فلها أن تخرج.

                                                وأما الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة على أصل أبي حنيفة فيخرجن في ذلك كله في الطلاق والوفاة، وكذا المجنونة لها أن تخرج من منزلها؛ لأنها غير مخاطبة كالصغيرة إلا أن لزوجها أن يمنعها من الخروج لتحصين مائه بخلاف الصغيرة فإن الزوج لا يملك منعها، وأما الكتابية فلها أن تخرج؛ لأن السكنى في العدة حق الله من وجه فتكون عبادة من هذا الوجه، والكفار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات، إلا إذا منعها الزوج لتحصين مائه، وإن أسلمت في العدة لزمها فيما بقي من عدتها ما لزم المسلمة. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية