الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5645 5646 ص: وقد جاءت أيضا آثار أخر عن رسول الله -عليه السلام- بالنهي عن بيع ما لم يقبض، لم يقصد فيها إلى الطعام ولا إلى غيره:

                                                حدثنا أبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز، قال: ثنا محمد بن بشار بندار ، قال: ثنا حبان بن هلال ، عن أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير، أن يعلى بن حكيم أخبره، أن يوسف بن ماهك أخبره، أن عبد الله بن عصمة أخبره، عن حكيم بن حزام أخبره قال: "أخذ النبي -عليه السلام- بيدي، فقال إذا ابتعت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه".

                                                حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، قال: ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير، قال: ثنا يعلى بن حكيم بن حزام: أن أباه سأل النبي -عليه السلام- فقال: إني اشتريت بيوعا فما يحل لي؟ قال: إذا اشتريت بيعا، فلا تبعه حتى تقبضه". .

                                                قال أبو جعفر: : فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد -رحمهم الله-؛ غير أن أبا حنيفة قال: لا بأس ببيع الدور والأرضين قبل قبض مشتريها إياها، لأنها لا تنقل ولا تحول، وسائر البياعات ليست كذلك، والنظر في هذا عندنا: أن تكون العروض وسائر الأشياء في ذلك سواء على ما ذكرنا في الطعام.

                                                [ ص: 555 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 555 ] ش: هذا بيان حجة أخرى في عدم جواز البيع قبل القبض، سواء كان طعاما أو غيره، بيان ذلك: أن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- روى عن النبي -عليه السلام- أنه قال له: "إذا ابتعت شيئا، فلا تبعه حتى تقبضه".

                                                فقوله: "شيئا" أعم من الطعام وغيره، والنبي -عليه السلام- لم ينص فيه على الطعام ولا على غيره، بل عمم الحكم، فاقتضى أن لا يجوز البيع قبل القبض مطلقا، إلا أن أبا حنيفة استثنى من ذلك بيع الدور والأرضين، فقال بجواز بيعها قبل القبض، لأنها لا تنقل ولا تحول بخلاف غيرها.

                                                والنظر في ذلك له: أن الامتناع فيما ينقل ويحول لعارض الغرر، وهو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه، ولا يتوهم هلاك العقار، فلا يتحقق الغرر، فبقي حكمه على حكم الأصل.

                                                وذكر في "البدائع" قول أبي يوسف مع أبي حنيفة في جواز بيع الدور والأرضين قبل القبض، وذكر قول زفر والشافعي مع محمد في عدم الجواز مطلقا؛ لعموم النهي، وهو اختيار الطحاوي أيضا أشار إليه بقوله: "فبهذا نأخذ".

                                                ثم إنه أخرج حديث حكيم بن حزام المذكور من طريقين:

                                                الأول: عن أبي خازم عبد الحميد بن عبد العزيز البصري أحد الأئمة الحنفية الكبار، قال ابن الجوزي: كان عالما ورعا، ثقة، قدوة في العلوم، غزير الفضل والدين، ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ من مدينة السلام وله مصنفات كثيرة، ذكره صاحب "الهداية" في كتاب الرهن، وهو يروي عن محمد بن بشار البصري الملقب بندار، والبندار: الحافظ كان بندارا في الحديث، وهو شيخ الجماعة، رووا عنه.

                                                وهو يروي عن حبان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- ابن هلال الباهلي، ثقة، روى له الجماعة.

                                                وهو يروي عن أبان بن يزيد العطار البصري ، عن أحمد : ثبت في كل المشايخ، روى له الجماعة غير ابن ماجه .

                                                [ ص: 556 ] وهو يروي عن يحيى بن أبي كثير الطائي اليمامي، روى له الجماعة.

                                                وهو يروي عن يعلى بن حكيم الثقفي البصري، ثقة، روى له الجماعة سوى الترمذي .

                                                وهو يروي عن يوسف بن ماهك بن بهزاد الفارسي المكي، روى له الجماعة.

                                                وهو يروي عن عبد الله بن عصمة الجشمي الحجازي، وثقه ابن حبان، وروى له النسائي .

                                                وهو يروي عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن زهير بن حرب، ثنا حبان بن هلال، ثنا همام بن يحيى، نا يحيى بن أبي كثير، أن يعلى بن حكيم حدثه، أن يوسف بن ماهك حدثه، أن حكيم بن حزام حدثه، أنه قال: "يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني رجل أشتري هذه البيوع، فما يحل لي منها مما يحرم علي؟ قال: يا ابن أخي إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه".

                                                ورواه أيضا من طريق خالد بن الحارث الهجيمي ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني رجل من إخواننا، حدثني يوسف بن ماهك، أن عبد الله بن عصمة الجشمي حدثه، أن حكيم بن حزام حدثه ... فذكر هذا الخبر، ثم قال: وعبد الله بن عصمة متروك.

                                                قلت: هو ثقة، وثقه ابن حبان كما ذكرناه.

                                                وأخرجه الطبراني أيضا: ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن عمار الموصلي، ثنا سالم بن نوح، ثنا عمرو بن عامر ، عن عامر الأحول ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عصمة، أن حكيم بن حزام قال: "يا رسول الله، إني أبيع بيوعا كثيرة، فما يحل منها مما يحرم علي؟ فقال: لا تبيعن ما لم تقبض".

                                                [ ص: 557 ] الطريق الثاني: عن محمد بن عبد الله بن ميمون ، عن الوليد بن مسلم الدمشقي ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير الطائي ، عن يعلى بن حكيم بن حزام ، عن أبيه.

                                                وأخرجه الترمذي : عن قتيبة ، عن هشيم ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن حكيم بن حزام .

                                                ثم قال: وقد روى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث عن يعلى بن حكيم، وعن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة ، عن حكيم بن حزام ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                ...




                                                الخدمات العلمية