الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4536 ص: فقال قائل: وكيف يجوز هذا وفي بعض ما قد رويت في هذا الباب أنه طلقها وهو غائب -أو طلقها ثم غاب- فخاصمت ابن عمه في نفقتها، وفي هذا أنها كانت تخافه، فأحد الخبرين يخبر أنه كان غائبا، والخبر الآخر يخبر أنه كان حاضرا فقد تضاد هذان الخبران؟

                                                قيل له: ما تضادا؛ لأنه قد يجوز أن تكون فاطمة لما طلقها زوجها خافته على الهجوم عليها، فسألت النبي -عليه السلام- فأفتاها بالنقلى، ثم غاب بعد ذلك ووكل ابن عمه بنفقتها، فخاصمت حينئذ في النفقة وهو غائب، فقال لها رسول الله -عليه السلام-: "لا سكنى لك ولا نفقة" فاتفق معنى حديث عروة هذا ومعنى حديث الشعبي 5 وأبي سلمة ومن وافقهما على ذلك عن فاطمة. .

                                                فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: إن حديث هشام بن عروة يخبر أن زوج فاطمة بنت قيس قد طلقها وهو حاضر، وفي حديث الشعبي وأبي سلمة وغيرهما أنه طلقها وهو غائب، وبين الخبرين تضاد.

                                                والجواب ظاهر، وحاصله أنه طلقها وهو حاضر ثم غاب، والدليل عليه رواية أبي الزبير المكي "أنه سأل عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص عن طلاق جده أبي عمرو فاطمة بنت قيس، فقال له عبد الحميد: طلقها البتة ثم خرج إلى اليمن"، فهذا صريح في أنه طلقها وهو حاضر ثم سافر بعد الطلاق، بل رواية داود بن أبي هند وسيار ومجالد عن الشعبي تنوه بأنه إنما سافر بعد الطلاق، وبعد مخاصمة فاطمة إياه إلى رسول الله -عليه السلام- حيث صرح الشعبي في روايته وقال: "دخلت على فاطمة بنت قيس بالمدينة فسألتها عن قضاء رسول الله -عليه السلام- عليها فقالت: طلقني زوجي البتة، فخاصمته إلى رسول الله -عليه السلام- في السكنى والنفقة".

                                                [ ص: 140 ] فإن قيل: قد صرح بذلك في رواية بأنه طلقها وهو غائب، حيث قال مالك عن عبد الله بن يزيد ، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير ... " الحديث.

                                                قلت: قوله: "وهو غائب" جملة اسمية وقعت حالا، ولكنها من الأحوال المنتظرة، تقديره: طلقها البتة والحال أنه يريد الغياب في السفر لا أنه طلقها وهو غائب حقيقة، ونظير هذه الحال نظير قوله تعالى: محلقين رءوسكم في قوله: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ما يريد الدخول ما كانوا محلقين، وإنما معناه: مقدرين التحليق، فكذلك ها هنا معناه: طلقها وهو مقدر السفر والغياب، ولولا هذا التقدير لم يندفع التعارض. فافهم.

                                                قوله: "ووكل ابن عمه" أي وكل زوج فاطمة وهو أبو عمرو بن حفص بن عمر ابن عمه وهو عياش بن أبي ربيعة المخزومي -رضي الله عنه-.




                                                الخدمات العلمية