الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5536 ص: وأما ما ذكروا عن ابن عمر -رضي الله عنهما- من فعله الذي استدلوا به على مراد رسول الله -عليه السلام- في الفرقة، بأن ذلك قد يحتمل عندنا ما قالوا ويحتمل غير ذلك، قد يجوز أن يكون ابن عمر أشكلت عليه تلك الفرقة التي قد سمعها من رسول الله -عليه السلام- ما هي؟ فاحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل المقالة الأولى، واحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل المقالة التي ذهب إليها عيسى، . واحتملت عنده الفرقة بالأقوال على ما ذهب إليه الآخرون، ولم يحضره دليل يدله أنه بأحدها أولى منه مما سواه عنها، ففارق بائعه ببدنه احتياطا.

                                                ويحتمل أيضا أن يكون فعل ذلك لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلا بذلك، وهو يرى أن البيع يتم بغيره، فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه حتى لا يكون لبائعه نقض البيع عليه في قوله ولا قول مخالفه.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عن ما ذكره أهل المقالة الثالثة عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- من فعله في البيع: "أنه إذا بايع رجلا شيئا فأراد أن لا يقيله قام يمشي ثم رجع". على مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفرقة، بيان ذلك، أن يقال: إن الاستدلال به لا يتم؛ لأنه يحتمل ذلك ما قالوا، ويحتمل غير ذلك، بيانه أنه قد يجوز أن تكون الفرقة التي سمعها من النبي -عليه السلام- أشكلت عليه ولم يتحقق ما هي فاحتملت أن تكون الفرقة [ ص: 421 ] بالأبدان على ما فسره أهل المقالة الأولى، واحتملت أن تكون على ما ذكره عيسى بن أبان، واحتملت أن تكون الفرقة بالأقوال على ما فسره أهل المقالة الأخيرة، ولم ينتصب عنده دليل على ترجيح واحد من هذه المعاني على البقية، فلأجل ذلك فارق بائعه ببدنه؛ احتياطا ليخرج بذلك من الشبهة، ويحتمل أيضا أن يكون قد فعل ذلك ليكون بيعه على وجه لا يكون فيه خلاف، فإن بعض الناس قد ذهبوا أن البيع لا يتم إلا بذلك، وهو قد يرى أنه يتم بغيره، ففعل ذلك ليكون بيعه تاما في قوله وقول مخالفه، حتى لا يكون لبائعه سبيل في نقض البيع عليه عند الكل، فإذا كان كذلك فبذا يدفع الاستدلال به على الخصم.




                                                الخدمات العلمية