5644 ص: فإن قال قائل: فكيف قصد بالنهي في ذلك إلى الطعام بعينه ولم يعم الأشياء؟!
قيل له: قد وجدنا مثل هذا في القرآن، قال الله -عز وجل-
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فأوجب عليه الجزاء المذكور في الآية، ولم يختلف أهل العلم في
nindex.php?page=treesubj&link=3794_3448قاتل الصيد خطأ أن عليه مثل ذلك، وأن ذكره العمد لا ينفي الخطأ، فكذلك ذكره الطعام في النهي عن بيعه قبل القبض لا ينفي غير الطعام، وقد رأينا الطعام يجوز فيه السلم، ولا يجوز السلم في العروض، فكان الطعام أوسع أمرا في البيوع من غير الطعام؛ لأن الطعام يجوز السلم فيه وإن لم يكن عند المسلم إليه،
[ ص: 550 ] ولا يكون ذلك في غيره، فلما كان الطعام أوسع أمرا في البيوع، وأكثر جوازا، ورأيناه قد نهى عن بيعه حتى يقبض، كان ذلك فيما لا يجوز السلم فيه أحرى أن لا يجوز بيعه حتى يقبض، فقصد رسول الله -عليه السلام- بالنهي الذي إذا نهى عنه دل نهيه على نهيه عن غيره، وأغناه ذكره له، عن ذكره لغيره، فقام ذلك مقام النهي إلى الذي لو عم به الأشياء كلها.
ولو قصد بالنهي إلى غير الطعام أشكل حكم الطعام في ذلك على السامع، فلم يدر هل هو كذلك أم لا؟ لأنه قد يجد الطعام يجوز السلم فيه، وليس هو بقائم حينئذ، وليس يجوز ذلك في العروض، فيقول: كما خالف الطعام العروض في جواز السلم فيه، وليس عند المسلم إليه، وليس ذلك في العروض، فكذلك يحتمل أن يكون مخالفا له في جواز بيعه قبل أن يقبض، وإن كان ذلك غير جائز في العروض.
فهذا هو المعنى الذي له قصد النبي -عليه السلام- بالنهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=4673_4471بيع ما لم يقبض إلى الطعام خاصة.
5644 ص: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قَصَدَ بِالنَّهْيِ فِي ذَلِكَ إِلَى الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَعُمَّ الْأَشْيَاءَ؟!
قِيلَ لَهُ: قَدْ وَجَدْنَا مِثْلَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3794_3448قَاتِلِ الصَّيْدِ خَطَأً أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذِكْرَهُ الْعَمْدَ لَا يَنْفِي الْخَطَأَ، فَكَذَلِكَ ذِكْرُهُ الطَّعَامَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفِي غَيْرَ الطَّعَامِ، وَقَدْ رَأَيْنَا الطَّعَامَ يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ، وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْعُرُوضِ، فَكَانَ الطَّعَامُ أَوْسَعَ أَمْرًا فِي الْبُيُوعِ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ،
[ ص: 550 ] وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ الطَّعَامُ أَوْسَعَ أَمْرًا فِي الْبُيُوعِ، وَأَكْثَرَ جَوَازًا، وَرَأَيْنَاهُ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِهِ حَتَّى يُقْبَضَ، كَانَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ حَتَّى يُقْبَضَ، فَقَصَدَ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالنَّهْيِ الَّذِي إِذَا نَهَى عَنْهُ دَلَّ نَهْيُهُ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَغْنَاهُ ذِكْرُهُ لَهُ، عَنْ ذِكْرِهِ لِغَيْرِهِ، فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ النَّهْيِ إِلَى الَّذِي لَوْ عَمَّ بِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا.
وَلَوْ قَصَدَ بِالنَّهْيِ إِلَى غَيْرِ الطَّعَامِ أَشْكَلَ حُكْمُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّامِعِ، فَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ الطَّعَامَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَلَيْسَ هُوَ بِقَائِمٍ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ، فَيَقُولُ: كَمَا خَالَفَ الطَّعَامُ الْعُرُوضَ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ، فَكَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْعُرُوضِ.
فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ قَصَدَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالنَّهْيِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4673_4471بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ إِلَى الطَّعَامِ خَاصَّةً.