أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، عن يونس بن بكير، قال: فحدثني ابن إسحاق معبد بن كعب بن مالك بن القين، أخو بني سلمة، عن أخيه عن أبيه عبد الله، قال: كعب بن مالك خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا، ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا حتى إذا كنا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء تعلمن، أني قد رأيت رأيا، والله ما أدري توافقون عليه، أم لا؟ فقلنا: وما هو يا أبا بشر؟ قال: إني قد أردت أن أصلي إلى هذه البنية، ولا أجعلها مني بظهر.
فقلنا: لا، والله لا تفعل.
والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام قال: فإني والله لمصل إليها، فكان إذا حضرت الصلاة توجه إلى الكعبة، وتوجهنا إلى الشام.
حتى قدمنا مكة، فقال لي البراء: يا ابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا، فلقد وجدت في نفسي منه [ ص: 445 ] بخلافكم إياي.
قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقينا رجلا بالأبطح، فقلنا: هل تدلنا على محمد بن عبد الله بن عبد المطلب؟ فقال: وهل تعرفانه إن رأيتماه؟ فقلنا: لا، والله ما نعرفه.
ولم نكن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فهل تعرفان فقلنا: نعم , وقد كنا نعرفه: كان يختلف إلينا بالتجارة، فقال: فإذا دخلتما المسجد فانظرا العباس، فهوالرجل الذي معه. العباس بن عبد المطلب؟
قال: فدخلنا المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس ناحية المسجد جالسين قال: فسلمنا، ثم جلسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟" قال: نعم , هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشاعر؟" قال: نعم , فقال له كعب بن مالك، البراء: يا رسول الله إني قد كنت رأيت في سفري هذا رأيا، وقد أحببت أن أسألك عنه لتخبرني عما صنعت فيه قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر، فصليت إليها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد كنت على قبلة، لو صبرت عليها" ، فرجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله يقولون: قد مات عليها، ونحن أعلم به، قد رجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام , [ ص: 446 ] ثم قد واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أوسط أيام التشريق، ونحن سبعون رجلا للبيعة، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، وإنه لعلى شركه، فأخذناه فقلنا يا أبا جابر: والله إنا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه فتكون لهذه النار غدا حطبا، وإن الله قد بعث رسولا يأمر بتوحيده وعبادته، وقد أسلم رجال من قومك، وقد واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة، فأسلم وطهر ثيابه وحضرها معنا، فكان نقيبا، فلما كانت الليلة التي واعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أول الليل مع قومنا، فلما استثقل الناس في النوم تسللنا من قريش تسلل القطا حتى إذا اجتمعنا بالعقبة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه العباس ليس معه غيره، أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، فكان أول متكلم، فقال: يا معشر الخزرج - وإنما كانت العرب تسمي هذا الحي من الأنصار - أوسها وخزرجها: إن محمدا منا حيث قد علمتم، وهو في منعة من قومه وبلاده، قد منعناه ممن هو على مثل رأينا فيه، وقد أبى إلا الانقطاع إليكم وإلى ما دعوتموه إليه، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه فأنتم وما تحملتم، وإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه.
فقلنا: قد سمعنا ما قلت، تكلم يا رسول الله، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله عز وجل، وتلا القرآن، ورغب في الإسلام، فأجبناه بالإيمان به [ ص: 447 ] والتصديق له، وقلنا له: يا رسول الله خذ لربك ولنفسك، فقال: "إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم" ، فأجابه البراء بن معرور فقال: نعم , والذي بعثك بالحق، مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر.
فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين أقوام حبالا، وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن الله أظهرك أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل الدم الدم، والهدم الهدم أنا منكم، وأنتم مني: أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم " [ ص: 448 ] .
فقال له البراء بن معرور: ابسط يدك يا رسول الله نبايعك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ، فأخرجوهم له. "أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا"
فكان نقيب بني النجار: أسعد بن زرارة، وكان نقيب بني سلمة: البراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام.
وكان نقيب بني ساعدة: سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو.
وكان نقيب بني زريق: رافع بن مالك بن العجلان، وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج: عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وكان نقيب القوافل بني عوف بن الخزرج: وفي عبادة بن الصامت، الأوس من بني عبد الأشهل: أسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان.
وكان نقيب بني عمرو بن عوف، سعد بن خيثمة، فكانوا اثني عشر نقيبا: تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.
قال فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها، وكان أول من بايع، وتتابع الناس فبايعوا، فصرخ الشيطان على العقبة بأبعد - والله - صوت ما سمعته قط فقال: يا أهل الجباجب هلا لكم في مذمم ما يقول محمد والصباء معه قد اجتمعوا على حربكم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب أما والله لأفرغن لك، ارفضوا إلى رحالكم" [ ص: 449 ] فقال العباس بن عبادة بن نضلة أخو بني سالم: يا رسول الله والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نؤمر بذلك، ارفضوا إلى رحالكم" ، فرجعنا إلى رحالنا فاضطجعنا على فرشنا.
فلما أصبحنا أقبلت جلة من قريش فيهم: الحارث بن هشام فتى شاب وعليه نعلان جديدان حتى جاؤونا في رحالنا، فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا لتستخرجوه من بين أظهرنا، وإنه والله ما من العرب أحد أبغض إلينا أن ينشب الحرب فيما بيننا وبينهم منكم، فانبعث من هناك من قومنا من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء وما فعلناه، وأنا أنظر إلى أبي جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، وهو صامت، وأنا صامت، فلما تثور القوم لينطلقوا، قلت كلمة كأني أشركهم في الكلام: يا أبا جابر أنت سيد من سادتنا وكهل من كهولنا، لا تستطيع أن تتخذ مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ فسمعه الفتى فخلع نعليه فرمى بهما إلي، وقال: والله لتلبسنهما، فقال أبو جابر: مهلا أحفظت لعمرو الله الرجل، يقول أخجلته: اردد عليه نعليه، فقلت: والله لا أردهما، فأل صالح، والله إني لأرجو أن أسلبنه.
قال حدثني ابن إسحاق: قال: ثم انصرفوا عنهم وأتوا عبد الله بن أبي بكر بن حزم عبد الله بن أبي، فسألوه، وكلموه، فقال: إن هذا الأمر جسيم، وما كان قومي لتفوتوا علي بمثله، فانصرفوا عنه وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد [ ص: 450 ] بن إسحاق، قال: حدثنا قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا أبي، عن وهب بن جرير بن حازم، محمد بن إسحاق، فذكر هذه القصة بإسناد عن يونس بن بكير ومعناه وأخبرنا ابن إسحاق أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، قال: حدثني ابن إسحاق عاصم بن عمر بن قتادة، " وعبد الله بن أبي بكر بن حزم: أن العباس بن عبادة بن نضلة: أخا بني سالم قال: يا معشر الخزرج فإن كنتم ترون أنها إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا: أسلمتموه، فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم مستضلعون له وافون له بما عاهدتموه عليه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فهو والله خير الدنيا والآخرة. هل تدرون على ما تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود،
قال عاصم: فوالله ما قال العباس هذه المقالة إلا ليشتد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بها العقد.
وقال عبد الله بن أبي بكر: ما قالها إلا ليؤخر بها أمر القوم تلك الليلة، ليشهد عبد الله بن أبي أمرهم فيكون أقوى لهم.