الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 248 ] حديث سواد بن قارب، ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن الذي لم يذكر اسمه في الحديث الصحيح.

                                        أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، من أصل سماعه [ ص: 249 ] قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار الأصبهاني قراءة عليه، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن موسى الحمار الكوفي بالكوفة، قال: حدثنا زياد بن يزيد بن باروية أبو بكر القصري، قال: حدثنا محمد بن تراس الكوفي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يخطب الناس على منبر النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: أيها الناس" أفيكم سواد بن قارب؟ قال: فلم يجبه أحد تلك السنة، فلما كانت السنة المقبلة قال: أيها الناس، أفيكم سواد بن قارب؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، وما سواد بن قارب؟ قال: إن سواد بن قارب كان بدء إسلامه شيئا عجيبا.

                                        قال: فبينا نحن كذلك، إذ طلع سواد بن قارب , قال: فقال له عمر [ ص: 250 ] : يا سواد حدثنا ببدء إسلامك كيف كان؟ قال سواد: فإني كنت نازلا بالهند، وكان لي رئي من الجن.

                                        قال: فبينا أنا ذات ليلة نائم، إذ جاءني في منامي ذلك قال: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسول من لؤي بن غالب، ثم أنشأ يقول:


                                        عجبت للجن وأنجاسها وشدها العيس بأحلاسها     تهوي إلى مكة تبغي الهدى
                                        ما مؤمنوها مثل أرجاسها     فانهض إلى الصفوة من هاشم،
                                        واسم بعينيك إلى راسها

                                        ثم أنبهني وأفزعني، وقال: يا سواد بن قارب، إن الله عز وجل بعث نبيا فانهض إليه تهتد وترشد.

                                        فلما كان في الليلة الثانية أتاني، فأنبهني , ثم أنشأ يقول كذلك:


                                        عجبت للجن وتطلابها     وشدها العيس بأقتابها
                                        تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ليس قداماها كأذنابها
                                        فانهض إلى الصفوة من هاشم     واسم بعينيك إلى نابها،

                                        فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فأنبهني , ثم قال كذلك:


                                        عجبت للجن وتخبارها     وشدها العيس بأكوارها
                                        تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ليس ذوو الشر كأخيارها
                                        فانهض إلى الصفوة من هاشم     ما مؤمنو الجن ككفارها

                                        قال: فلما سمعته يكرر ليلة بعد ليلة، وقع في قلبي حب الإسلام من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله قال: فانطلقت إلى رحلي فشددته على راحلتي، فما حللت نسعة، ولا عقدت أخرى حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بالمدينة، والناس [ ص: 251 ] عليه كعرف الفرس، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مرحبا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك" قال: قلت: يا رسول الله قد قلت شعرا فاسمعه مني قال سواد فقلت:


                                        أتاني رئي بعد ليل وهجعة     ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
                                        ثلاث ليال قوله كل ليلة     أتاك رسول من لؤي بن غالب
                                        فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت     بي الذعلب الوجناء عند السباسب
                                        فأشهد أن الله لا شيء غيره     وأنك مأمون على كل غايب
                                        وأنك أدنى المرسلين شفاعة     إلى الله يابن الأكرمين الأطايب
                                        فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى     وإن كان فيما جاء شيب الذوايب
                                        وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة     سواك بمغن عن سواد بن قارب

                                        قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال لي: "أفلحت يا سواد" .

                                        فقال له عمر: هل يأتيك رئيك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتني، ونعم العوض كتاب الله عز وجل من الجن.


                                        هكذا روي هذا الحديث بهذا الإسناد وروي من وجهين آخرين [ ص: 252 ] ، أحدهما ما حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح الجوهري، وأحمد بن محمد بن مبارك الفقيه الهروي، وبشر بن أحمد الإسفراييني، واللفظ للهروي قال: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي المعني الموصلي، قال: حدثنا يحيى بن حجر السامي، قال: حدثنا علي بن منصور الأنباري، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الوقاصي، عن محمد بن كعب القرظي قال: بينما عمر ذات يوم جالسا إذ مر به رجل، فقيل: أتعرف هذا المار؟ قال: ومن هذا؟ قالوا: هذا سواد بن قارب، فأرسل إليه عمر، فقال: أأنت سواد بن قارب؟ قال: نعم ,.

                                        فقال: أأنت الذي أتاه رئيه بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم , قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ فغضب، وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين.

                                        فقال عمر: يا سبحان الله، ما كنا عليه من الشرك أعظم.

                                        قال: فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذا أتاني رئيي فضربني برجله، فقال: قم يا سواد بن قارب اسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله، وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول: فذكر الأبيات بمعنى ما روينا في حديث البراء يزيد لفظا ويبدل لفظا بآخر، وزاد في آخره، ثم أنشأ عمر يقول: كنا يوما في حي من قريش يقال له: آل ذريح، وقد [ ص: 253 ] ذبحوا عجلا، والجزار يعالجه، إذ سمعنا صوتا من جوف العجل، وما نرى شيئا، وهو يقول: يا آل ذريح أمر نجيح، صائح يصيح، بلسان فصيح، يشهد أن لا إله إلا الله
                                        وكذلك رواه أبو الحسن علي بن شيبان الموصلي، عن يحيى بن حجر السامي.

                                        وأخبرنا أبو طاهر الفقيه قال: أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري، قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء قال: أخبرنا بشر بن حجر السامي بالبصرة في المسجد، قال: حدثنا علي بن منصور، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن كعب القرظي، فذكره بمعناه دون الزيادة في آخره، وكذلك روي عن رجل يقال له: عمر بن الخطاب، عن بشر بن حجر السامي أبي حاتم.

                                        والوجه الثاني ما أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، قال: حدثنا الوليد بن حماد بن جابر بالرملة، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي، قال: حدثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: أخبرني سواد بن قارب قال: " كنت نائما على جبل من جبال السراة، فأتاني آت فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب أتاك رسول من لؤي بن غالب قال: فاستويت قاعدا وأدبر وهو يقول:


                                        عجبت للجن وإرجاسها     ورحلها العيس بأحلاسها.


                                        [ ص: 254 ]

                                        تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما صالحوها مثل أرجاسها

                                        قال: ثم عدت فنمت فأتاني فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب، أتاك رسول من لؤي بن غالب قال: فاستويت قاعدا فأدبر وهو يقول:


                                        عجبت للجن وأخبارها     ورحلها العيس بأكوارها
                                        تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما مؤمنوها مثل كفارها

                                        قال: ثم عدت فنمت فأتاني فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب، أتاك رسول من لؤي بن غالب، فاستويت قاعدا، فأدبر وهو يقول:


                                        عجبت للجن وتطلابها     ورحلها العيس بأقتابها
                                        تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما صادقوها مثل كذابها
                                        فارحل إلى الصفوة من هاشم     واسم بعينيك إلى نابها

                                        قال: فأصبحت واقتعدت بعيرا حتى أتيت مكة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظهر فأخبرته الخبر وتابعته
                                        قوله حتى أتيت مكة أقرب إلى الصحة، مما روينا في الروايتين الأوليين وفي الروايات الصحيحة غنية عن هذه الروايات، والله أعلم.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية