الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير عن ابن [ ص: 270 ] إسحاق قال: حدثني رجل من أهل مكة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره ببعض قوله، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، أخبرنا.

                                        فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبركم بما سألتم عنه غدا" ، ولم يستثن، فانصرفوا عنه.

                                        فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولم يأته جبريل حتى أرجف أهل مكة، وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، يقول الله تعالى: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" [ ص: 271 ] .

                                        قال ابن إسحاق: فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني محمدا أنك رسول الله نبي تحقيقا لما سألوه من نبوته ولم يجعل له عوجا قيما أي معتدلا لا اختلاف فيه لينذر بأسا شديدا من لدنه قال عاجل عقوبة في الدنيا وعذاب في الآخرة أي من عند ربك الذي بعثك رسولا "
                                        قلت: كذا في هذه الرواية أنهم سألوه عن الروح أيضا، وحديث ابن مسعود يدل على أن سؤال اليهود عن الروح ونزول الآية فيه كان بالمدينة، والله أعلم.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية