الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، قال: حدثنا السري بن خزيمة، قال: حدثنا يوسف بن بهلول، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، عن مالك بن مغول، عن الزبير بن عدي، عن طلحة بن مصرف، عن مرة الهمداني، عن عبد [ ص: 373 ] الله بن مسعود قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة - كذا في هذه الرواية - وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها حتى يقبض منها، إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: غشيها فراش من ذهب، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله، المقحمات " رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن نمير، وزهير بن حرب، عن عبد الله بن نمير.

                                        وهذا الذي ذكره عبد الله بن مسعود طرف من حديث المعراج، وقد رواه أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم , ثم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم , ثم رواه مرة مرسلا دون ذكرهما.

                                        أما روايته عن مالك بن صعصعة ففيما أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ - رحمه الله - ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف قال: أخبرنا سعيد يعني ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين قال: فأتيت فانطلق بي , ثم أتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا - قال: قتادة: قلت لصاحبي: ما تعني؟ قال: إلى أسفل بطني، فاستخرج [ ص: 374 ] قلبي فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه قال: وحشي أو قال: وكنز إيمانا وحكمة - الشك من سعيد قال: ثم أتيت بدابة أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه ومعي صاحبي لا يفارقني، فانطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ فقال: جبريل.

                                        فقيل: ومن معك؟ قال: محمد قالوا: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم , قال: ففتح لنا قالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء فأتيت على آدم عليه السلام فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم , قال: ففتح لنا، وقالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على يحيى وعيسى قال سعيد: أحسبه قال: ابني الخالة فسلمت عليهما فقالا: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثالثة فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم , قالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على يوسف، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، فسلمت عليه، فقال: مرحبا [ ص: 375 ] بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الرابعة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل.

                                        قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم , قالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إدريس عليه السلام، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك إدريس، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح قال عبد الوهاب: قال سعيد: وكان قتادة يقول عندها قال الله: " ورفعناه مكانا عليا ، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الخامسة فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم , قالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء قال: فأتيت على هارون فقلت: يا جبريل ‍من هذا؟ قال: هذا أخوك هارون، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السادسة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم , قالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء قال: فأتيت على موسى عليه السلام، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، فلما جاوزته بكى، فنودي: ما يبكيك؟ قال: يا رب، هذا غلام بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السابعة فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، وقيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم , قالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إبراهيم عليه السلام، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالابن الصالح، والنبي [ ص: 376 ] الصالح، ورفع لنا البيت المعمور فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك حتى إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم، ثم رفعت لنا سدرة المنتهى، فحدث نبي الله صلى الله عليه وسلم أن ورقها مثل آذان الفيلة، وأن نبقها مثل قلال هجر، وحدث النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذه الأنهار يا جبريل؟ فقال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات قال: وأتيت بإناءين: أحدهما خمر، والآخر لبن، فعرضا علي، فاخترت اللبن.

                                        فقيل لي: أصبت أصاب الله بك أمتك على الفطرة، وفرضت علي خمسون صلاة كل يوم أو قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم - الشك من سعيد - فجئت حتى أتيت على موسى، فقال لي: بما أمرت؟ فقلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال: إني قد بلوت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فرجعت، فحط عني خمس صلوات، فما زلت أختلف بين ربي وبين موسى كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم، فلما أتيت على موسى قال لي: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم قال: إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة [ ص: 377 ] ، وإن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، قلت: لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم قال: فنوديت أو ناداني مناد - الشك من سعيد - أن قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، وجعلت بكل حسنة عشر أمثالها "
                                        أخرجه مسلم في الصحيح عن محمد بن المثنى، عن محمد أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، وأخرجه أيضا عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر نحوه وزاد فيه "فأتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، فغسل بماء زمزم , ثم ملئ حكمة وإيمانا" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا مخلد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، قال: حدثنا معاذ بن هشام، فذكره.

                                        وأخرجه البخاري عن هدبة بن خالد، قال: حدثنا همام بن يحيى، قال: حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، عن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به.

                                        بينما أنا في الحطيم - وربما قال: - في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقد - قال: وسمعته يقول: فشق - ما بين هذه إلى هذه.

                                        فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول [ ص: 378 ] : من قصه إلى شعرته، فاستخرج قلبي , ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي , ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض - فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم , يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: ولقد أرسل إليه؟ قال: نعم , قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح، والنبي الصالح , ثم ذكر الحديث بطوله على هذا النسق بمعنى حديث ابن أبي عروبة إلا أنه قال بعد ذكر سدرة المنتهى والأنهار، ثم رفع لي البيت المعمور , ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم،
                                        ثم ذكر باقي الحديث بمعناه أخبرنا أبو عبد الرحمن، محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد بن محمد الخلال الجرجاني، قال: حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، قال: حدثنا أبو خالد هدبة بن خالد، فذكره بإسناده نحوه إلا أنه قال: ثم رفع لي البيت المعمور.

                                        قال قتادة: وحدثنا الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى [ ص: 379 ] البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه , ثم رجع إلى حديث أنس وأما روايته عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فأخبرناه أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن يونس.

                                        (ح) وأخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله البسطامي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال: أخبرني الحسن بن سفيان، قال: حدثنا حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن التجيبي قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري، ثم غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، ثم أفرغها في صدري، ثم أطبقه , ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح.

                                        قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل قال: هل معك أحد؟ قال: نعم , معي محمد قال: أأرسل إليه؟ قال: نعم , [ ص: 380 ] [فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا] رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح قال: قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم عليه السلام وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى قال: ثم عرج بي جبريل عليه السلام حتى أتى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا، ففتح.

                                        قال أنس: فذكر أنه وجد في السماوات آدم، وإدريس وموسى، وعيسى، وإبراهيم عليهم السلام، ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة، فلما مر جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال: قلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس قال: ثم مررت بموسى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى.

                                        قال: ثم مررت بعيسى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى، ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت [ ص: 381 ] : من هذا؟ قال: هذا إبراهيم قال: ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس، وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام.

                                        قال ابن حزم، وأنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت بموسى، فقال موسى: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قال: فقلت: "فرض عليهم خمسين صلاة" قال موسى: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: "فراجعت ربي، فوضع شطرها" قال: فرجعت إلى موسى وأخبرته، فقال: "راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك" قال: فراجعت ربي , فقال: هي خمس، وهي خمسون لا يبدل القول لدي قال: "فرجعت إلى موسى" قال: راجع ربك.

                                        فقلت: قد استحييت من ربي قال: "ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى [ ص: 382 ] فغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك"
                                        رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن عبد الله بن بكير، ورواه مسلم عن حرملة بن يحيى وأنبأنا رواية أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه، قال: حدثنا أبو مسلم ومحمد بن يحيى بن المنذر، قالا: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال: فركبته فسار بي حتى أتينا بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربطها الأنبياء , ثم دخلت فصليت، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من لبن وإناء من خمر، فاخترت اللبن، فقال جبريل: أصبت الفطرة قال: ثم [ ص: 383 ] عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: قد أرسل.

                                        ففتح لنا، فإذ بآدم عليه السلام قال: فرحب بي، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقال: من أنت؟ فقال: أنا جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة، يحيى وعيسى عليهما السلام قال: فرحبا ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه قال: ففتح لنا فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطى شطر الحسن قال: فرحب ودعا لي بخير قال: ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل.

                                        قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: وقد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: وقد أرسل إليه ففتح لنا، فإذا أنا بهارون فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل قيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه قال: وقد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد [ ص: 384 ] أرسل إليه؟ قال: وقد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام فإذا هو مستند إلى البيت المعمور، فرحب بي ودعا لي بخير، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك , ثم لا يعودون إليه قال: ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله عز وجل يستطيع أن ينعتها من حسنها قال: فدنا فتدلى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض علي في كل يوم خمسون صلاة قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال: فرجعت فقلت: أي رب خفف عن أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فعلت؟ قلت: قد حط عني خمسا، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال: هي خمس صلوات في كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة.


                                        هذا حديث أبي مسلم قال محمد بن يحيى بن المنذر العرار في حديثه: فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، فإن عملها كتبت عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت واحدة قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته بما فعلت قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف قال: قلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت " [ ص: 385 ] رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ، عن حماد بن سلمة إلا أنه لم يذكر قوله: "فدنا فتدلى" ، وإنما قال: " فأوحى إلى عبده ما أوحى " فيحتمل أن تكون زيادة في الحديث غير محفوظة، فإن كانت محفوظة كما رواه حجاج بن منهال، وكما رواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك، فيحتمل أن يكون جبريل عليه السلام فعل ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم حين رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى كما فعله في المرة الأولى وفي حديث شريك زيادة تفرد بها على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل، وقول عائشة، وابن مسعود، وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل عليه السلام أصح؛ فقد روينا عن مسروق، عن عائشة، أنه ذكر لها قول الله عز وجل ولقد رآه بالأفق المبين ، ولقد رآه نزلة أخرى ، فقالت عائشة: أنا أول هذه الأمة سأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين" ، وقد ذكرنا ذلك بشرحه في كتاب الأسماء والصفات وفي كتاب الرؤية وبالله التوفيق.

                                        وفي رواية ثابت، عن أنس دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به من مكة إلى بيت المقدس.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية