الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن [ ص: 179 ] يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: فحدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل، واستكتمني اسمه، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين .

                                        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت عليها، فجاءني جبريل عليه السلام فقال لي: يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك ربك ".

                                        قال علي: فدعاني فقال: " يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فصمت عن ذلك، ثم جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك، فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام وأعد لنا عس لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب، ففعلت فاجتمعوا له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث، فقدمت إليهم تلك الجفنة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حذية، فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها وقال: "كلوا بسم الله" فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما يرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل منهم يأكل مثلها , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقهم يا علي" فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعا، وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو [ ص: 180 ] لهب إلى الكلام، فقال: لهد ما سحركم صاحبكم.

                                        فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله.

                                        فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي، عد لنا بمثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم.

                                        ففعلت، ثم جمعتهم له فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم سقيتهم فشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وايم الله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ويشرب مثلها , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به.

                                        إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة"
                                        قال أبو عمر أحمد بن عبد الجبار: بلغني أن ابن إسحاق إنما سمعه من عبد الغفار بن القاسم بن مريم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث قال ابن إسحاق: وكان ما أخفى النبي صلى الله عليه وسلم أمره واستسر به إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه.

                                        قلت: وقد روى شريك القاضي عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي في إطعامه إياهم بقريب من هذا المعنى مختصرا.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية