الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4490 ص: فإن قال قائل: فقد رأينا العباد أمروا ألا ينكحوا النساء إلا على شرائط، منها: أنهم منعوا من نكاحهن في عددهن، فكان من نكح امرأة في عدتها لم يثبت نكاحه عليها، وهو في حكم من لم يعقد عليها نكاحا.

                                                [ ص: 66 ] فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هو إذا عقد عليها طلاقا في وقت قد نهي عن إيقاع الطلاق فيه؛ أن لا يقع طلاقه ذلك، وأن يكون في حكم من لم يوقع طلاقا.

                                                فالجواب في ذلك أن ما ذكر من عقد النكاح كذلك هو، وكذلك العقود كلها التي يدخل العباد بها في أشياء لا يدخلون فيها إلا من حيث أمروا بالدخول فيها، وأما الخروج منها فقد يجوز بغير ما أمروا بالخروج به، من ذلك أنا قد رأينا الصلوات قد أمر العباد ألا يدخلوها إلا بالتكبير والأسباب التي يدخلون بها فيها، وأمروا ألا يخرجوا منها إلا بالتسليم، فكان من دخل في الصلاة بغير طهارة وبغير تكبير لم يكن داخلا فيها، وكان من تكلم فيها بكلام مكروه أو فعل فيها شيئا مما لا يفعل فيها من الأكل والشرب والمشي وما أشبهه، خرج به من الصلاة وكان مسيئا فيما فعل من ذلك في صلاته، فكذلك الدخول في النكاح لا يكون إلا من حيث أمر العباد بالدخول فيه، والخروج منه قد يكون بما أمروا بالخروج به منه وبغير ذلك. وهذا كله قول أيضا أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: أمرنا ألا ننكح إلا بشرائط منها: ألا تكون المرأة في العدة، فناكحها فيها كلا ناكح.

                                                فالقياس على ذلك أن يكون المطلق في وقت نهي عن إيقاع الطلاق فيه كلا مطلق، فلا يقع طلاقه.

                                                قوله: "في عددهن" بكسر العين وفتح الدال الأولى وهو جمع عدة بالكسر.

                                                قوله: "إذا عقد عليها طلاقا" والنسخة الصحيحة: إذا أوقع عليها طلاقا.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: إن الطلاق هو الخروج عن النكاح، والنكاح من العقود التي لا يدخل فيها إلا من حيث أمر بالدخول فيها، وأما الخروج منها فلا [ ص: 67 ] يلزم أن يكون من حيث أمر بها، ويجوز أن يكون بغير ما أمر بها كالصلاة مثلا فإن الدخول فيها لا يكون إلا بالتكبير وغيره من الشروط، والخروج منها بالسلام، فإذا خرج منها بشيء لا يفعل فيها كالأكل ونحوه، فإنه يخرج به من الصلاة وإن كان مسيئا، وكذلك الطلاق يخرج به من النكاح وإن كان من غير ما أمر به من إيقاعه في وقت نهي عنه فيه. فافهم.

                                                وكان ينبغي أن يذكر هذا السؤال والجواب في الباب السابق؛ لأنه محله. فافهم.

                                                ***




                                                الخدمات العلمية