الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5553 5554 [ ص: 444 ] ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: والذي قاله عيسى: من هذا يحتمل، غير أني رأيت في ذلك وجها، وهو أشبه عندي بنسخ هذا الحديث من غير هذا الوجه الذي ذهب إليه عيسى، . وذلك أن لبن المصراة الذي احتلبه المشتري منها في الثلاثة الأيام التي احتلبها فيها قد كان بعض في ملك البائع قبل الشراء، وبعضه حدث في ملك المشتري بعد الشراء؛ لأنه قد احتلبها مرة بعد مرة، فكان ما كان في يد البائع من ذلك مبيعا، إذا وجب نقص البيع في الشاة [ وجب نقض البيع فيه، وما حدث في يد المشتري من ذلك فإنما كان ملكه بسبب البيع أيضا، وحكمه حكم الشاة] لأنه من بدنها، هذا على مذهبنا، وكان النبي -عليه السلام- قد جعل لمشتري المصراة بعد ردها جميع لبنها الذي كان حلبه منها بالصاع التمر الذي أوجب عليه رده مع الشاة، وذلك اللبن حينئذ قد تلف أو تلف بعضه، فكان المشتري قد ملك لبنا دينا بصاع تمر ودين فدخل ذلك في بيع الدين بالدين، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الدين بالدين.

                                                حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم ، -قال أبو بكرة في حديثه قال: أنا موسى بن عبيدة، ، وقال ابن مرزوق في حديثه: عن موسى بن عبيدة الربذي، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، -رضي الله عنهما-: "أن النبي -عليه السلام- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" يعني الدين بالدين فنسخ ذلك ما كان تقدم منه مما روي عنه في المصراة، مما حكمه حكم الدين بالدين.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا هو الوجه الثالث من وجوه النسخ التي ذكرناها، وهو الوجه الذي قاله الطحاوي من قوله واختاره على الوجهين الأولين، ملخص ذلك: أن حديث المصراة منسوخ بحديث النهي عن بيع الدين بالدين؛ وذلك لأن في المصراة على الوجه الذي ذكره الخصم بيع الدين بالدين، فيكون منسوخا، وقد أوضح ذلك الطحاوي، فلا حاجة إلى تكراره.

                                                ثم إنه أخرج حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن أبي بكرة بكار القاضي ، وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن [ ص: 445 ] موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي المدني، فيه مقال، فعن يحيى: لا يحتج بحديثه.

                                                وعنه: ضعيف. وعنه: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وليس بحجة. وعن يحيى: موسى بن عبيدة ليس بالكذوب ولكنه يروي عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير. روى له الترمذي وابن ماجه ، والربذي بفتح الراء والباء الموحدة وبالذال المعجمة، نسبة إلى ربذة قرية من قرى مدينة الرسول -عليه السلام- وبها قبر أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث مقدام بن داود، ثنا ذؤيب بن عمامة، نا حمزة بن عبد الواحد ، عن موسى ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه السلام-: "أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ".

                                                وأخرجه البزار في "مسنده" : بأتم منه: نا محمد بن معمر، نا بهلول، نا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن الشغار، وعن بيع المجر، وعن بيع الغرر، وعن بيع كالئ بكالئ، وعن بيع عاجل بآجل" قال: والمجر: ما في الأرحام، والغرر: أن تبيع ما ليس عندك، وكالئ بكالئ: دين بدين، والآجل بالعاجل: أن يكون لك على الرجل ألف درهم، فيقول رجل أعجل لك خمسمائة ودع البقية، والشغار: أن تنكح المرأة بالمرأة ليس لهما صداق، وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- بهذا التمام.

                                                وأخرجه البيهقي أيضا : من حديث الخصيب بن ناصح، نا الدراوردي ، عن موسى ، عن نافع ، عن ابن عمر: "أن النبي -عليه السلام- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" ثم قال: موسى هو ابن عبيدة .

                                                [ ص: 446 ] وقال ابن عدي أيضا: هذا معروف موسى بن عبيدة، وقال البيهقي، ورواه عبيد الله بن موسى وزيد بن الحباب والواقدي عن سالم ثم ساقه البيهقي إليهم ثم قال: العجب من الدارقطني شيخ عصره روى هذا الحديث في "سننه" فقال عن الدراوردي عن موسى بن عقبة، وقال الذهبي: وكذا وهم غيره فيه.

                                                قوله: "الكالئ بالكالئ" أي النسيئة بالنسيئة وهو مهموز اللام يقال: كلأ الدين كلوءا فهو كالئ إذا تأخر، ومن قولهم: "بلغ الله بك أكلأ العمر" أي أطوله وأكثره تأخرا، وكلأته إذا أنسأته وبعض الرواة لا يهمز الكالئ تخفيفا.




                                                الخدمات العلمية