الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 82 ] 163 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العتيرة وهل هي الرجبية ؟ أم لا ؟

حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن الحسن في إملائه عليهم قال : وذبح كان في الجاهلية كانوا يذبحون في رجب شاة وهي الرجبية ، كان أهل البيت يذبحونها فيأكلون ويطبخون ويطعمون .

والعتيرة كان الرجل إذا ولدت له الناقة أو الشاة ذبح أول ولد تلده له ، فأكل وأطعم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسئل عن العتيرة فقال : أن يدعه حتى يكون شغزبا خير له من أن ينحره يلصق لحمه بوبره ، وتكفأ إناءك وتوله ناقتك .

[ ص: 83 ] وسمعت المزني يقول : قال الشافعي : والعتيرة هي الرجبية ، وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يتبررون بها ، يذبحونها في رجب .

فكان فيما روينا عن محمد بن الحسن أن العتيرة خلاف الرجبية ، وكان فيما روينا عن الشافعي أن العتيرة هي الرجبية . ولما اختلفا في ذلك طلبنا حقيقتها في الآثار المروية فيها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لنقف بذلك على الصحيح من هذين القولين اللذين قيلا فيها .

[ ص: 84 ]

1058 - فوجدنا عبد الملك بن مروان قد حدثنا قال : حدثنا معاذ بن معاذ العنبري ، عن عبد الله بن عون قال : حدثني أبو رملة ، عن مخنف بن سليم قال : ونحن وقوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال : يا أيها الناس ، إن على أهل كل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة . هل تدرون ما العتيرة ؟ قال : فلا أدري ما كان من ردهم عليه . قال : هي التي يقول الناس : الرجبية .

1059 - ووجدنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا ابن عون ، عن أبي رملة الكندي ، [ ص: 85 ] عن مخنف بن سليم قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتيناه في وفد غامد ، فقال : إن على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة . قال : فقلنا : ما العتيرة ؟ قال : الرجبية .

قال أبو جعفر : فعقلنا بهذا الحديث أن العتيرة هي الرجبية ، ووجدنا في هذا الحديث ما يدل على إيجابها كإيجاب الأضحية ، فاحتجنا إلى الوقوف على ما روي في غير هذا الحديث ، وعلى استعمال أحد من العلماء إياه .

1060 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا أبو عوانة ، عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن عمه أبي رزين وهو لقيط بن عامر أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنا كنا نذبح ذبائح في رجب فنطعم من جاءنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا بأس . قال وكيع : لا أتركها أبدا .

ووجدنا عبد الملك بن مروان قد حدثنا قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، عن ابن عون أن محمد بن سيرين كان يعتر . قال معاذ : وكان ابن عون يعتر ، قال معاذ : العتيرة شاة تذبح في رجب .

[ ص: 86 ] قال أبو جعفر : ثم نظرنا هل روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ينسخ ذلك أم لا .

1061 - فوجدنا يوسف بن يزيد قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا فرعة ، ولا عتيرة . قال سفيان : يقول : في الإسلام . ثم قال لنا الزهري : الفرعة أول النتاج ، والعتيرة شاة كانوا يذبحونها في رجب .

1062 - ووجدنا يوسف قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا هشيم قال : حدثني سفيان بن حسين قال : حدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عتيرة في الإسلام ، ولا فرع .

[ ص: 87 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث نفي العتيرة ، وقد يحتمل نفيها المذكور فيه نفي الوجوب ، ولا يمنع ذلك أن يفعل فعلا لا معصية فيه . ولا خلاف لما في هذا الحديث ، وقد يحتمل خلاف ذلك ، فنظرنا في ذلك .

1063 - فوجدنا المزني قد حدثنا قال : حدثنا الشافعي قال : سمعت عبد الوهاب بن عبد المجيد يحدث ، عن خالد الحذاء ، عن أبي المليح ، عن نبيشة قال : سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا كنا نعتر عتيرة في رجب فما تأمرنا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اذبحوا لله عز وجل في أي شهر ما كان ، وبروا الله وأطعموا .

سمعت المزني يقول : وبروا الله أو أوثروا الله
، الشك من المزني .

1064 - ووجدنا يوسف بن يزيد قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن [ ص: 88 ] منصور قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا خالد ، عن أبي المليح الهذلي ، عن نبيشة الهذلي قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا نعتر عتيرة لنا في الجاهلية ، فما تأمرنا ؟ قال : اذبحوا لله عز وجل في أي شهر ما كان ، وبروا الله عز وجل وأطعموا . قال : وقلت : يا رسول الله ، إنا كنا نفرع فرعا لنا في الجاهلية فما تأمرنا ؟ قال : في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك ، فإذا استكمل ذبحته ، فتصدقت بلحمه . قال : أحسبه قال : على ابن السبيل ؛ فإن ذلك خير .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ما قد عقلنا به أن أمر العتيرة رد إلى الاختيار ونفي الوجوب ، وأنه بر من أخذ به فقد أحسن ، ومن نكره لم يحرج .

1065 - ووجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج قال : حدثنا عبد الوارث بن [ ص: 89 ] سعيد قال : حدثنا عتبة بن عبد الملك السهمي قال : حدثني زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمي ، عن جده قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمنى وعرفات ، وقد أطاف به الناس ، فسأله رجل عن العتيرة ، فقال : من شاء أعتر ومن شاء لم يعتر ، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع . وقال : في الغنم أضحيتها . وأشار بإصبعه السبابة ، وعطف طرفها شيئا .

[ ص: 90 ]

1066 - ووجدنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قد حدثنا قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمي قال : حدثني أبي ، عن جده الحارث أنه لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع قال : فقلت : يا رسول الله ، الفرائع والعتائر ؟ قال : من شاء أفرع ومن شاء لم يفرع ، ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر . في الغنم أضحيتها .

قال أبو جعفر : فكشف لنا هذا الحديث عن ما التمسناه فيما تقدم منا في هذا الباب . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية