الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 150 ] 173 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قيام الرجال بعضهم إلى بعض

1115 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد قال : قال ابن شهاب : وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن عبد الله بن كعب قال : سمعت كعب بن مالك يحدث بحديث توبته قال : فانطلقت أتأمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ، ويقولون : لتهنك توبة الله عز وجل عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره . قال : فكان كعب لا ينساها لطلحة .

[ ص: 151 ]

1116 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1117 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ، وكان قائد أبيه حين عمي قال : سألت كعبا عن حديثه حين تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، ثم ذكر هذا الحديث .

1118 - حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا يوسف بن بهلول الكوفي قال : حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، [ ص: 152 ] عن جده كعب قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت توبتي ، فتلقاني طلحة بن عبيد الله يهرول ، ثم ذكر بقية الحديث .

1119 - وحدثنا عبيد بن رجال قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، فذكر مثله .

1120 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه ، عن جده قال : قال أبو سعيد الخدري : لما طلع سعد بن معاذ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما نزلت بنو قريظة على حكمه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم .

[ ص: 153 ]

1121 - حدثنا أبو أمية قال : حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال : حدثنا صالح بن محمد بن [ صالح بن ] دينار التمار ومعن بن عيسى وعبد العزيز بن عمران ، عن محمد بن صالح ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه أن سعد بن معاذ دخل المسجد بعد أن حكم في بني قريظة بما حكم به فيهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم .

1122 - حدثنا يونس قال : حدثنا معن بن عيسى المديني ، عن محمد بن هلال ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدخل بيته قمنا .

[ ص: 154 ]

1123 - حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال : حدثنا محمد بن هلال ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1124 - حدثنا أبو أمية قال : حدثنا خالد بن مخلد القطواني قال : حدثنا محمد بن هلال عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كنا نقعد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغدوات ، فإذا قام إلى بيته لم نزل قياما حتى يدخل بيته .

فقال قائل : كيف تقبلون هذه الأحاديث ، وأنتم تروون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يخالفها . ؟

1125 - فذكر ما حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا شبابة بن سوار قال : حدثني المغيرة بن مسلم قال : حدثنا عبد الله بن بريدة قال : سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحب أن يستجم له الرجال قياما وجبت له النار .

[ ص: 155 ] قال أبو جعفر : والمغيرة هذا هو القسملي ، ويقال له : السراج ، وهو أحد الأثبات . وعبد العزيز بن مسلم القسملي هو أخوه ، والمغيرة فوقه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن هذا الحديث عندنا غير مخالف للأحاديث الأول التي رويناها في هذا الباب ؛ لأن الأحاديث الأول التي رويناها في هذا الباب فيها إطلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيام الرجال بعضهم إلى بعض باختيار القائمين لذلك ، لا بذكر محبة الذين قاموا لهم إياه منهم .

وفي هذا الحديث الذي ذكرته المحبة من الذي يقام له لذلك ممن يقومه له .

فتصحيح هذين المعنيين أن تكون الأحاديث الأول على ما لا محبة فيه لمن يقام له ، وهذا الحديث على المحبة لمن يقام له بذلك القيام .

فبان بما ذكرنا أن كل جنس من هذين الجنسين محتمل لما حملناه عليه مما ذكرنا ، فلم يبن بحمد الله ونعمته تضاد لجنس من هذين الجنسين للجنس الآخر منهما .

1126 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا حبان بن هلال قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن أنس قال : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ؛ لما يعلموا من كراهته لذلك .

[ ص: 156 ] قال أبو جعفر : فكان ما في هذا الحديث قد دل أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كانوا يتركون القيام له - صلى الله عليه وسلم - لعلمهم بكراهته لذلك منهم ، وفي ذلك ما قد دل على أنهم لولا كراهته لذلك منهم لقاموا له ، وقد تكون كراهته لذلك منهم على وجه التواضع منه - صلى الله عليه وسلم - لذلك ؛ لا لأنه حرام عليهم أن يفعلوا ذلك له ، وكيف يظن أن ذلك حرام عليهم وقد أمرهم بالقيام إلى سعد بن معاذ ، وقام بمحضره طلحة بن عبيد الله إلى كعب بن مالك عند نزول توبته مهنئا له بذلك فلم ينهه عنه .

1127 - وحدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا حبيب بن الشهيد ، عن أبي مجلز قال : دخل معاوية بيتا فيه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر ، فقام ابن عامر وثبت ابن الزبير ، وكان أوزنهما ، فقال معاوية : اجلس يا ابن عامر ؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار .

[ ص: 157 ] فدل ذلك أن المكروه مما ذكرناه هو المحبة من بعض الرجال لذلك من بعض ، وقد تكون تلك المحبة من القيام إليهم ، وقد تكون بلا قيام إليهم . فدل ذلك على أن الكراهة في ذلك إنما هي للمحبة التي ذكرنا للقيام الذي لا محبة معه .

وقد كان بعض من ينتحل اللغة يزعم أن حديث معاوية الذي رواه عنه ابن بريدة إنما هو : من أحب أن يستخم له الرجال قياما ، وإن كان ذلك على القيام الذي تفعله الأعاجم بعظمائهم من قيامهم على رؤوسهم ، ومن إطالتهم لذلك حتى يستخموا معه ، أي حتى تتغير له روائحهم لإطالتهم لذلك القيام .

قال أبو جعفر : وهذا عندنا مستحيل ؛ لأن الحديث المروي في ذلك إنما دار على معاوية لا مخرج له سواه وقد كان فيه ما خاطب عبد الله بن عامر ما كان بغير إطالة من ابن عامر له في ذلك قياما ، فدل ذلك على انتفاء هذا التأويل ، وفي انتفائه ثبوت التأويل الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية