الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 174 ] 177 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره زوجة النحام أن لا تكحل ابنتها في عدتها من وفاة زوجها بعد أن أعلمته خوفها على عينها إن لم تفعل ذلك

1141 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا شعبة ، عن حميد بن نافع ، عن زينب ابنة أم سلمة ، عن أم سلمة أن امرأة توفي عنها زوجها ورمدت وخشوا على عينها ، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنوه في الكحل ، وذكروا أنهم يخشون على عينها فقال : لا ، قد كانت إحداكن تمكث في شر بيتها في أحلاسها أو في أحلاسها في شر بيتها . فإذا كان حول مر كلب فرمته ببعرة ، فلا ، أربعة أشهر وعشرا .

[ ص: 175 ]

1142 - حدثنا الحسين بن نصر قال : حدثنا الفريابي قال : حدثنا سفيان ، عن أيوب بن موسى ، عن حميد بن نافع ، عن زينب ابنة أم سلمة أن ابنة النحام توفي عنها زوجها ، فأتت أمها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن ابنتي تشتكي عينها ، فأكحلها ؛ فإني أخشى أن تنفقئ عينها ؟ قال : وإن انفقأت - أي : فلا تفعلي - قد كانت إحداكن تمكث بعد وفاة زوجها حولا ، ثم ترمي من خلفها ببعرة .

1143 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن حميد بن نافع ، عن زينب ابنة أبي سلمة قالت : سمعت أم سلمة تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد شكت عينها - أفنكحلها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ، مرتين أو ثلاثا . كل ذلك يقول : لا . ثم قال : إنما هي أربعة وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول .

[ ص: 176 ]

1144 - حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن حميد بن نافع ، عن زينب ابنة أم سلمة ، عن أم سلمة وأم حبيبة أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد خشيت على بصرها - أفأكحلها ؟ فقال : قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول ، وإنما هي أربعة أشهر وعشر .

1145 - حدثنا يونس قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن يحيى بن سعيد ، عن ... ثم ذكر بإسناده مثله .

1146 - حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى يعني ابن سعيد ، عن حميد بن نافع ، عن زينب [ ص: 177 ] أن امرأة سألت أم سلمة وأم حبيبة : أتكتحل في عدتها من وفاة زوجها ؟ فقالتا : أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك ، ثم ذكر بقية هذا الحديث .

1147 - حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أيوب بن موسى ، عن حميد بن نافع ، عن زينب ابنة أم سلمة ، عن أم سلمة أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ثم ذكر بقية هذا الحديث .

1148 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا شعيب بن الليث قال : حدثنا الليث ، عن أيوب بن موسى قال : قال حميد : وحدثتني زينب ابنة أم سلمة ، عن أمها أم سلمة أنها قالت : جاءت امرأة من قريش بنت النحام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ذكر بقية هذا الحديث .

[ ص: 178 ] قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعتدة من وفاة زوجها أن تكحل عينها في عدتها مع خوفها على عينها إن لم تفعل ذلك بهما .

فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل العلم جميعا على خلافه وعلى إباحة الكحل لمثلها للضرورة الداعية بها إلى ذلك ؟

فكان جوابنا له في ذلك وبالله التوفيق أن هذا الحديث قد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواترا من هذه الوجوه الصحاح التي تقبلها العلماء ، وفي تركها لما فيه بعد تناهيه إليهم واستعمالهم خلافه ما قد دل على نسخه ؛ لأنهم مأمونون على نسخه كما هم مأمونون على ما رووه .

ولما كانوا كذلك كان تركهم لما رووه من هذه الوجوه المحمودة عندهم على أنهم تركوا ذلك لما يوجب لهم تركه ، وصاروا إلى ما هو أولى بهم منه مما قد نسخه ، ولولا أن ذلك كذلك لكان قد سقط عدلهم ، وفي سقوط عدلهم سقوط رواياتهم ، وحاش لله جل وعز أن تكون حقيقة أمورهم كذلك ، ولكنه كان لما قد روينا على ما وصفنا ثم التمسنا هل نجد في الآثار ما يدل على شيء من ذلك ؟

1149 - فوجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني مخرمة بن بكير ، عن أبيه قال : سمعت المغيرة بن الضحاك يقول : أخبرتني أم حكيم بنت أسيد ، عن أمها أن زوجها توفي فكانت تشتكي ، فتكتحل بكحل [ ص: 179 ] الجلاء ، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة ، فسألتها عن كحل الجلاء . فقالت : لا تكتحلي إلا من أمر لا بد منه ، يشتد عليك ، فتكتحل بالليل وتمسحه بالنهار .

ثم قالت عند ذلك أم سلمة : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبو سلمة ، وقد جعلت على عيني صبرا ، فقال : ما هذا يا أم سلمة ؟ قالت : يا رسول الله ، إنما هو صبر ليس فيه طيب . قال : إنه يشب الوجه ، ولا تجعليه إلا بالليل ، وتنزعينه بالنهار ، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب . قلت : بأي شيء أمتشط يا رسول الله ؟ قال : بالسدر ، تغلقين به رأسك
.

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث من قول أم سلمة للمرأة التي سألتها عما سألتها عنه في هذا الحديث : لا تفعلي ذلك إلا لما لا بد منه ، وقد سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف ، فاستحال أن يكون كان ذلك منها إلا وقد علمت بنسخه من قبله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنها رضوان الله عليها مأمونة على ما قالت ، كما كانت مأمونة على ما روت . والله نسأله التوفيق .

[ ص: 180 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية