الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 236 ] 187 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدليل على مراد الله عز وجل بقوله : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . الآية

1201 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله في حديثه عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الصبح يوم عرفة بمنى مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فركب وأمر بقبة من شعر فنصبت له بنمرة ، فسار ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له فركب حتى إذا أتى بطن الوادي ، فخطب الناس .

[ ص: 237 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن قريشا كانت في الجاهلية تقف يوم عرفة في خلاف الموضع الذي يقف الناس به اليوم بعرفة لحجهم ، وذلك عندنا والله أعلم ؛ لأن عرفة ليست من الحرم ، وكانت قريش لا تجاوز الحرم ، ولا تقف لحجها في يوم عرفة إلا في موضع من الحرم ، وكان الموضع الذي كانت تقفه في ذلك اليوم فيه هو المزدلفة .

1202 - كما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن جبير ، عن أبيه قال : ذهبت أطلب بعيرا لي يوم عرفة ، فخرجت فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - واقف بعرفة بين الناس . فقلت : إن هذا من الحمس فما له خرج من الحرم ؟ يعني بالحمس قريشا ، وكانت قريش تقف بالمزدلفة وتقول : نحن الحمس ، لا نجاوز الحرم .

1203 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا هشام ، عن أبيه ، [ ص: 238 ] عن عائشة قالت : كانت قريش تقف بالمزدلفة وتسموا الحمس ، وسائر العرب تقف بعرفة ، فأمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقف بعرفة ثم يدفع منها ، وأنزل الله عز وجل : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس .

قال أبو جعفر : فدل هذان الحديثان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان في الجاهلية لتوفيق الله عز وجل إياه ولتوليه له قد كان يقف يوم عرفة حيث يقف الناس سوى قريش ، وكان قول الله جل وعز : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس - دليلا على أن الإفاضة من ذلك المكان قد كان منهم قبلها وقوف فيه .

وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى .

1204 - ما حدثنا يونس قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عمرو بن عبد الله بن صفوان ، عن يزيد بن شيبان قال : أتانا ابن مربع الأنصاري بعرفة ونحن بمكان من الموقف بعيد يبعده عمرو ، فقال : أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 239 ] إليكم يقول : كونوا على مشاعركم هذه ؛ فإنكم على إرث من إرث إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . هكذا حدثنا يونس .

1205 - وقد حدثناه المزني قبل ذلك قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن صفوان ولم يذكر عمرا ، عن خال له قال : كنا في موقف لنا بعرفة ، ثم ذكر بقية هذا الحديث .

قال أبو جعفر : فدل ذلك أن عرفة قد كانت من مواقف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في الحج حيث يقف الناس اليوم لحجهم ، وأما أمره - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس بالارتفاع عن محسر ، ومحسر من مزدلفة - فذلك [ ص: 240 ] لمعنى سوى هذا المعنى قد يحتمل أن يكون لخروجه عن مشاعر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر الناس بالرفع عنه وبالرجوع إلى مشاعر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم بمراده في ذلك - صلى الله عليه وسلم - ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية