الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 334 ] 204 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأشياء الموزونات أنها كالأشياء المكيلات في دخول الربا فيها كدخوله في الأشياء المكيلات

1296 - حدثنا يونس قال : حدثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري ، وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكل تمر خيبر هكذا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا . وقال في الميزان مثل ذلك .

[ ص: 335 ]

1297 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا الوحاظي قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : حدثنا عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث أن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا بني عدي الأنصاري ، واستعمله على خيبر ، فقدم بتمر جنيب فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكل تمر خيبر هكذا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنشتري الصاع بالصاعين . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تفعلوا ، ولكن مثلا بمثل ، أو بيعوا هذا واشتروا هذا بثمنه . وكذلك الميزان .

1298 - حدثنا يحيى بن عثمان قال : حدثنا نعيم بن حماد قال : حدثنا عبد العزيز الدراوردي ، عن أبي سهيل ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر أميرا ، فقدم عليه بتمر جنيب يعني طيبا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله ، إنا نشتري الصاع بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة آصع من الجمع .

[ ص: 336 ] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تفعل ، ولكن تبيع هذا وتشتري بثمنه من هذا ، وكذلك الميزان .


1299 - وحدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري المديني قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الدراوردي ، عن عبد المجيد ، عن سعيد بن المسيب أن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا بني عدي بن النجار على خيبر ، فقدم عليه بتمر جنيب يعني : طيبا . فقال رسول الله : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله ، إنا نشتري الصاع بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة من الجمع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تفعل ، ولكن بع هذا واشتر بثمنه من هذا ، فكذلك الميزان .

[ ص: 337 ]

1300 - حدثنا مصعب قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الدراوردي ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة وعن أبي سعيد الخدري - مثله .

قال أبو جعفر : هكذا هو في كتاب مصعب الذي أخبرنا أنه أصل أبيه ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن أبي صالح . وهذا خلاف ما ذكرناه من حديث يحيى بن عثمان ، عن نعيم ، عن الدراوردي ؛ لأنه جعل مكان عبد المجيد أبا سهيل . والذي قال : مصعب في هذا هو الصواب عندنا ، والله أعلم .

فكان في هذه الآثار رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم الميزان في دخول الربا في الأشياء الموزونة به كدخولها في المكيال في الأشياء المكيلات به .

ولم يقصد في ذلك إلى مأكول ولا إلى مشروب دون ما سواهما مما لا يؤكل ولا يشرب ، فكان ظاهر ذلك يوجب ما قال الذين يقولون لا يجوز الحديد بالحديد ولا النحاس بالنحاس ولا الرصاص بالرصاص إلا مثلا بمثل وزنا بوزن ، وأن هذه الأشياء لما كانت موزونة في دخول الربا إياها كالذهب والفضة في دخول الربا إياهما وكالأشياء المكيلات من التمر والحنطة والشعير في دخول الربا إياهما كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه في ذلك .

وذلك بخلاف ما قال أهل المدينة فيه وحملهم ذلك على الأشياء المكيلات مما يؤكل ومما يشرب خاصة دون ما لا يؤكل وما لا يشرب .

فقال قائل ممن ذهب إلى ما يقوله أهل المدينة في ذلك : إن [ ص: 338 ] سعيد بن المسيب قد ذهب في هذا المعنى إلى ما ذهبنا إليه فيه ، وإلى خلاف ما ذهب الآخرون إليه فيه وذكر ما قد

حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : لا ربا إلا في ذهب أو فضة ، أو فيما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب . وقال : فإلى قول من خالفتم قول سعيد هذا ؟ فقيل له : إلى قول عمار بن ياسر الذي يخالفه ، فقوله في ذلك أعلى من قول سعيد .

والذي يروى عن عمار في ذلك ما قد .

حدثنا يحيى بن عثمان قال : حدثنا موسى بن هارون البردي قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن صدقة بن المثنى ، عن جده رياح بن الحارث قال : قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : العبد خير من العبدين ، والأمة خير من الأمتين ، والبعير خير من البعيرين ، والثور خير من الثورين . فما كان يدا بيد فلا بأس إنما الربا في النساء لا ما كيل أو وزن .

[ ص: 339 ] وما قد حدثنا يحيى بن عثمان قال : حدثنا أصبغ بن الفرج قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن صدقة بن المثنى ، عن رياح بن الحارث ، عن عمار بن ياسر - مثله ، إلا أنه لم يقل : والثور خير من الثورين . وقال مكان ذلك : والثوب خير من الثوبين .

قال أبو جعفر : فلما كان أوكد الأشياء في دخول الربا عليها الذهب والفضة ، وليسا بمأكولين ولا مشروبين - عقلنا بذلك أن العلة التي لها دخول الربا إلى الوزن فيما يوزن والكيل فيما يكال مأكولا كان ذلك أو مشروبا أو غير مأكول أو مشروب . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية