الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 347 ] 207 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : ليس منا من لم يتغن بالقرآن

1303 - حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن أبي نهيك ، عن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس منا من لم يتغن بالقرآن .

[ ص: 348 ]

1304 - حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا الليث بن سعد قال : أخبرنا عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، عن عبيد الله بن أبي نهيك ، عن سعيد بن أبي سعيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 349 ] سمعت فهدا يقول : قال لنا عبد الله بن صالح : قال لنا الليث بالعراق يعني في هذا الحديث : عن سعد بن أبي وقاص .

1305 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث قالا : حدثنا الليث ( ح ) وحدثنا بحر بن نصر قال : قرئ على شعيب بن الليث : حدثني الليث ، ثم اجتمعا جميعا قالا : قال : حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، عن عبيد الله بن أبي نهيك ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثله .

1306 - أخبرنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا شعيب بن الليث قال : حدثنا الليث ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عبيد الله بن أبي نهيك ، عن سعيد أو سعد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ مثله .

1307 - حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن أبي نهيك ، عن سعد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثله .

[ ص: 350 ] فتأملنا معنى هذا الحديث فوجدنا الناس فيه على قولين : فقوم منهم يقولون : أريد به الاستغناء بالقرآن عن الأشياء كلها ؛ لأنه قد يكون بذلك الجزاء الجزيل في الآخرة ، والوصول به من الله عز وجل إلى عاجل خيره في الدنيا . وقوم يقولون : هو على تحسين الصوت ليرق له قلب من يقرؤه .

فالتمسنا الأولى من هذين القولين بمعناه .

1308 - فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال : حدثنا عبد الجبار بن الورد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن أبي يزيد . قال أبو جعفر : هكذا قال ، وإنما هو ابن أبي نهيك . قال : دخلنا على أبي لبابة بن عبد المنذر وإذا رجل رث البيت رث المتاع فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليس منا من لم يتغن بالقرآن . فقلت لابن أبي مليكة : فمن لم يكن له صوت ولم يحسن ؟ قال : يحسنه ما استطاع .

[ ص: 351 ]

1309 - ووجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا يسرة بن صفوان بن جميل اللخمي قال : حدثنا عبد الجبار بن الورد ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن أبي نهيك - هكذا قال لنا : فهد ، عن عبد الله ، وإنما هو عبيد الله - قال : دخلنا على أبي لبابة بن عبد المنذر فدخلنا على رجل رث البيت رث المتاع رث الحال ، فسألنا فقال : من أنتم ؟ فكلنا انتسب له . قال : مرحبا وأهلا تجار كسبة ؛ إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليس منا من لم يتغن بالقرآن . فقلت لابن أبي مليكة : فمن لم يكن له حلق حسن ؟ قال : يحسنه ما استطاع .

فكان معنى ما حدثهم به أبو لبابة من هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يحتمل أن يكون لما رأوه به من رثاثة الحال ، وقد يحتمل أن يكون أراد به حسن الصوت بالقرآن . وكذلك تأوله ابن أبي مليكة عليه في هذا الحديث .

ثم طلبنا هذا الباب هل نجده من غير هذا الطريق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 352 ]

1310 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس منا من لم يتغن بالقرآن .

ثم رجعنا إلى طلب الأولى به من القولين اللذين ذكرنا ، فكان قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس منا من لم يتغن بالقرآن ذما لمن لم يفعل ذلك . كقوله : [ ص: 353 ] ليس منا من غشنا ، وليس منا من رمانا بالليل . في الأشياء التي تعاض من كانت أو تكون منه - صلى الله عليه وسلم - مما نحن ذاكروها فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله على الذم لمن كان كذلك وعلى المعنى له منه .

ووجدنا من قرأ القرآن بغير تحسين منه له صوته مريدا بقراءته إياه الأحوال المحمودة مثابا على ذلك غير مذموم عليه ، فعقلنا بذلك أن يكون مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : من لم يتغن بالقرآن - هذا المعنى .

ولما انتفى ذلك المعنى عنه ، ولم يقل في تأويله غير هذين القولين ، وانتفى أحدهما - ثبت الآخر منهما وهو الاستغناء به عن سائر الأشياء سواه ، والله أعلم بمراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك القول ، وإياه نسأله التوفيق .

[ ص: 354 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية