الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 159 ] 623 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوابه لأبي الدرداء لما تلا صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : ولمن خاف مقام ربه جنتان ، فقال له أبو الدرداء : وإن زنى وإن سرق ؟ بقوله له : وإن زنى وإن سرق .

3993 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة ، عن عطاء بن يسار .

عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : ولمن خاف مقام ربه جنتان ، فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية : ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ فقال الثالثة ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال : وإن رغم أنف أبي الدرداء .

[ ص: 160 ] فتأملنا هذا الحديث لنقف على المراد به إن شاء الله فوجدنا خوف مقام الرب عز وجل مرتبة جليلة ووجدنا ثوابها عنده عز وجل ثوابا عظيما ووجدناها تمنع من صغير معاصي الله عز وجل ومن كبيرها ، وكما روي عن مجاهد في قول الله عز وجل ولمن خاف مقام ربه جنتان قال : إذا هم بمعصية فذكر مقام الله عز وجل عليه في الدنيا تركها .

كما قد حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا إسماعيل بن سالم الصائغ ، قال : أخبرنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور .

عن مجاهد ولمن خاف مقام ربه جنتان قال الرجل يهم [ ص: 161 ] بالمعصية فيذكر الله عز وجل فيدعها .

وكان محالا أن يخالط ذلك الخوف من مقام الله عز وجل من يركب الزنى والسرقة ، فعقلنا بذلك أن الزنى والسرقة اللذين أريدا في هذا الحديث إنما هما زنى وسرقة قد كانا في حال ممن كانا منه ، ثم زال عن ذلك الحال إلى خوف مقام ربه عز وجل الخوف الذي يمنعه من الوقوع في شيء من ذلك ، ولما كانت هاتان الحالان كل واحدة منهما ضد الأخرى عقلنا بذلك أن كل واحدة منهما كانت في حال عدم الأخرى ، فكانت الحال المذمومة في البدء ، ثم تليها الحال المحمودة ، فصار صاحبها فيها إلى خوف مقام ربه ورد السرقة على من سرقها منه ، وطلب وعد ربه وخاف وعيده ، وكان بذلك من أهل ما ذكر في هذا الحديث وإن كان قد زنى وقد سرق في حال قد نزع عنها إلى حال محمودة صار إليها .

وقد وجدنا في ذلك في كتاب الله عز وجل ما قد دل على ذلك وهو قوله فيه والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ، فأعلمنا عز [ ص: 162 ] وجل أن من كان من أهل هذه الأفعال كان من أهل هذا الوعيد ، ثم أعقب ذلك بقوله عز وجل إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، فكان من صار إلى هذه الحال صار من أهل هذا الوعد وخرج من أهل الوعيد فدل ذلك أن أحوال الزنى والسرقة غير أحوال خوف مقام الله عز وجل وإن كان كل واحدة من الحالين كانت ، والحالة الأخرى منهما معدومة ، وفيما ذكرنا بيان لما وصفنا ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية