الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 420 ] 654 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لعبد الله بن عمر في امرأته التي كان طلقها وهي حائض أن يراجعها فإذا طهرت طلقها وهي طاهر أو حامل .

4223 - حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن سالم حدثه . عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قيل للنبي عليه السلام إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض قال : فليراجعها فإذا طهرت طلقها وهي طاهر أو حامل .

4224 - وحدثنا فهد حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني وحدثنا أحمد بن شعيب حدثنا محمود بن غيلان ، قالا : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن سالم [ ص: 421 ] عن ابن عمر مثله .

فكان هذا الحديث مما استدل به قوم من أهل العلم ممن مذهبه أن الحامل لا تحيض على مذهبه ذلك وقال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يطلقها بعد أن يراجعها وهي طاهر أو حامل دل ذلك أن الحمل لا حيض فيه لأنه لو كان فيه حيض لم يأمره أن يطلقها في حال قد تكون فيها حائضا وفي أمره إياه أن يطلقها في تلك الحال من غير أن يقول له غير حائض ما قد دل على أن لا حيض في الحمل .

وقال الذين خالفوهم في ذلك : هذا الكلام الذي ذكرتموه في هذا الحديث مستحيل لأنه لم يطلقها وهي طاهر فذكر موضع الطهر الذي يكون فيه موضع ذلك الطلاق ، ثم قال أو حامل والحامل موضع للطلاق فلم تكن الضرورة تدعو إلى ذكر الحمل ; لأن المقصود بطلاق السنة إليه هو الطهر وإذا كان الحمل لا حيض فيه كان طهرا وكان الكلام به فضلا وكان ذكر الطهر الذي قبله يغني عن ذكره [ ص: 422 ] وحاش لله عز وجل أن يكون في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يحتاج إليه وما لا فائدة فيه .

فكان من جوابنا لهذا القائل ، عن الذي خاطبهم بهذا الخطاب أن في هذا الكلام المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الفائدة وذلك أن الطاهر لا تطلق في طهرها إلا أن تكون غير مجامعة فيه ، والحامل جائز أن تطلق في حملها وقد جومعت فيه أو لم تجامع ; لأن جماع الطاهر جماع قد يكون عنه حمل ، وجماع الحامل جماع لا يكون عنه حمل ، فكان حكم الطهر الذي لا حمل معه وحكم الطهر بالحمل فيهما هذا المعنى الذي ذكرنا مما يتباينان فيه ويختلفان فيه ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يطلقها طاهرا طهرا لم يجامعها فيه وإن كان لم ينقل إلينا في هذا الحديث فإنه قد نقل إلينا في غيره .

4225 - كما قد حدثنا فهد حدثنا علي بن معبد حدثنا أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران .

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته في حيضها فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها حتى تطهر ، فإذا طهرت فإن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يجامع .

فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجماع عن الطهر الذي أمره بالطلاق فيه ، وأمره أن يكون طلاقه لها وهي طاهرة غير مجامعة ، ولم ينف الجماع [ ص: 423 ] عن الحامل ; لأن جماع الحامل لا يمنع من طلاقها للسنة ، فبان بحمد الله ونعمته أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكر عنه في حديث محمد بن عبد الرحمن فيه أكثر الفائدة .

ومما يدل أيضا أن الحامل لا تحيض ما قد رويناه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم منا من كتابنا هذا في أمره صلى الله عليه وسلم في السبايا أن لا توطأ حامل منهن حتى تضع وأن لا توطأ غير حامل منهن حتى تحيض ، فكان معقولا عنه صلى الله عليه وسلم بذلك أنه أراد أن الحيض إذا كان علم به أن لا حمل حل الوطء الذي كان لا يحل لو كان حمل ، ولأنه لو كان الحيض لا ينفي الحمل لكان الحيض والطهر جميعا بمعنى واحد ، ولكنه بخلاف ذلك لأنه إذا كان حيض علم أن لا حمل معه فهذا دليل صحيح على أن الحيض لا يكون مع الحمل .

فقال قائل : فقد روي ، عن عائشة رضي الله عنها أن الحامل تحيض وذكر في ذلك .

ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا شعيب بن الليث حدثنا الليث بن سعد وما قد حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبي وشعيب بن الليث حدثنا الليث بن سعد ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج .

[ ص: 424 ] عن أم علقمة مولاة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن الحامل ترى الدم فقالت : لا تصلي .

فكان جوابنا له في ذلك أن هذا الحديث قد روي ، عن عائشة رضي الله عنها كما ذكر وقد روي عنها خلاف هذا القول في حديث آخر وهو .

ما قد حدثنا علي بن شيبة حدثنا يحيى بن يحيى النيسابوري حدثنا بشر بن المفضل ، عن سعيد يعني ابن أبي عروبة ، عن مطر يعني الوراق ، عن عطاء .

عن عائشة في الحامل ترى الدم قال : لا تدع الصلاة .

وما قد حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى حدثنا مطر الوراق ، عن عطاء بن أبي رباح .

[ ص: 425 ] عن عائشة رضي الله عنها في الحامل ترى الدم قالت : تغتسل وتصلي .

وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا حبان بن هلال حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى ، عن عطاء .

عن عائشة رضي الله عنها قالت : الحبلى لا تحيض فإذا رأت الدم فلتغتسل ولتصل .

فكان هذا عندنا عن عائشة أولى مما ذكرناه عنها مما يخالف ذلك لجلالة عطاء ولموضعه من العلم ولأن موضع أم علقمة من العلم ليس كذلك .

فقال قائل فإن عمرة قد روت عن عائشة رضي الله عنها في ذلك ما يوافق ما روته عنها أم علقمة فيه .

فكان جوابنا له في ذلك أنا لم نجد ذلك عن عمرة صحيحا وإنما وجدناه من رواية أهل البيت ، عن يحيى بن سعيد ، عن عائشة رضي [ ص: 426 ] الله عنها بلا ذكر لعمرة فيه .

كما حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد .

عن عائشة أنها قالت : الحبلى إذا رأت الدم فلتمسك عن الصلاة فإنه حيض .

وكما حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام قال حدثت يحيى بن سعيد بحديث مطر الوراق يعني الذي ذكرناه في هذا الباب فأنكره وقال قالت عائشة رضي الله عنها : لا تصلي .

ثم قد قال بهذا القول أعني في أن الحامل لا تدع الصلاة برؤية الدم عطاء بن أبي رباح والحسن البصري .

كما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان ، عن جامع بن أبي راشد قال : سمعت عطاء وسئل عن الحامل ترى الدم قال : تتوضأ وتصلي .

[ ص: 427 ]

وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا يونس ، عن الحسن في الحامل ترى الدم قال : هي بمنزلة المستحاضة تغتسل كل يوم غسلا من الظهر إلى الظهر .

وكما حدثنا علي بن شيبة حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة ، عن جامع بن أبي راشد ، عن عطاء قال : هي بمنزلة المستحاضة تغتسل كل يوم من الظهر إلى الظهر .

فهذا هو القول عندنا لما قد دللنا عليه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، كما حدثنا محمد بن العباس حدثنا علي بن معبد حدثنا محمد بن الحسن حدثنا يعقوب ، عن أبي حنيفة في الحامل ترى الدم قال : تصلي . ولم يحك فيه خلاف بينه وبين أحد من أصحابه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية