الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 62 ] 801 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " لا يحل للواهب أن يرجع في هبته ، إلا الوالد لولده"

5062 - حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، قال : حدثنا حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن طاوس ، عن ابن عمر وابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يحل لرجل أن يرجع في هبته إلا الوالد لولده .

5063 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا حسين المعلم ، قال : حدثنا عمرو بن شعيب ، عن طاوس ، عن ابن عمر وابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يحل لرجل يعطي عطية ، أو يهب هبة فيرتجع ، إلا الوالد فيما يعطي ولده " . قال : " ومثل الذي يعطي عطية ، ثم يرجع فيها ، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ، وعاد في قيئه .

[ ص: 63 ]

5064 - حدثنا أحمد بن أبي عمران ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن طاوس ، عن ابن عمر وابن عباس ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لواهب أن يرجع في هبته ، إلا الوالد لولده .

5065 - حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد الأزدي ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا إسحاق - وهو الأزرق - عن حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن طاوس ، عن ابن عباس وابن عمر ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : لا يحل لرجل أن يعطي عطية فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده ، ومثل الذي يعطي العطية فيرجع فيها ، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ، ثم عاد في قيئه .

[ ص: 64 ]

5066 - أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حسين ، عن عمرو بن شعيب ، قال : حدثني طاوس ، عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يحل لرجل يعطي عطية - يعني ، ثم ذكر بقية الحديث .

قال أبو جعفر : فنظرنا في هذا الحديث ، هل رواه عن حسين المعلم غير من ذكر بخلاف ما رواه عليه عنه من ذكرنا ؟

5067 - فوجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا ، قال : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا خالد - يعني ابن الحارث - عن حسين ، عن عمرو بن شعيب ، عن طاوس ، عن ابن عمر وابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسبه قال: لا يحل - يشك حسين من الحديث في " يحل " - أن يعطي عطية ثم يرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده ، ومثل الذي يعطي عطية ، ثم يرجع فيها [ ص: 65 ] ، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ، ثم عاد في قيئه .

قال أبو جعفر : وكان فيما رواه خالد ، عن حسين ، شك حسين في الذي في حديثه هذا مما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من : " لا يحل لأحد أن يعطي عطية " من غير شك منه ، فيما بقي من الحديث ، فعاد حديثه هذا إلى أن الذي لا يشك فيه منه أنه : لا يرجع أحد في عطيته ، إلا الوالد فيما يعطي ولده .

وكذلك وجدناه من رواية غيره ، عن عمرو بن شعيب ، وإن كان قد خالفه في إسناده .

5068 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني إبراهيم - وهو ابن طهمان - عن سعيد بن أبي عروبة ، عن عامر الأحول ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : لا يرجع أحد في هبة ، إلا والد من ولده ، والعائد في هبته كالعائد في قيئه .

[ ص: 66 ] ثم نظرنا : هل رواه عن طاوس غير من ذكرنا . ؟

5069 - فوجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا ، قال : أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم ، قال : حدثنا حبان ، قال : حدثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - عن إبراهيم بن نافع - يعني المخزومي - عن الحسن بن مسلم ، عن طاوس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : لا يحل لأحد أن يهب هبة ، ثم يرجع فيها ، إلا والد من ولده " . قال طاوس : كنت أسمع وأنا صغير " عائد في قيئه " ، فلم أكن أظن أنه ضرب له مثلا ، قال : " فمن فعل ذلك ، فمثله كمثل الكلب يأكل ، ثم يقيء ، ثم يعود في قيئه .

[ ص: 67 ] قال أبو جعفر : فعاد هذا الحديث من رواية الحسن بن مسلم ، عن طاوس موقوفا عليه بذكره إياه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطعا ، والحسن بن مسلم ، فغير مجهول المقدار في صحة الرواية .

ثم نظرنا في متن هذا الحديث ، فوجدنا معنى : " لا يحل " لو كان ثابتا في الحديث غير مشكوك فيه ، لا يوجب منعا للواهب ولا للمعطي من الرجوع في هبته ، ولا في عطيته لغير ولده ، إذ كان قد يحتمل أن يكون ذلك على معنى : لا يحل لرجل أن يقذر نفسه بأن يجعلها برجوعه في هبته ، وفي عطيته ، كالكلب يقيء ، ثم يأكل فيه ، كما نهى - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الحجام ، وأخبر أنه من السحت ، على النهي منه لأحد من أمته أن يدني نفسه ، لا على أن ذلك حرام ، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، فمثل ذلك ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " لا يحل لأحد أن يرجع في هبته أو في عطيته ، إلا الوالد لولده " على هذا المعنى ، وكان استثناؤه الوالد في ذلك فيما وهب وفيما أعطى ولده ، على أنه في مال ولده بخلافه في مال غيره ، إذ كان قد قال لمن ذكر له أن أباه يريد أن يحتاج ماله ، " أنت ومالك لأبيك " .

وقد ذكرنا ذلك بأسانيده فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، فجعل دخوله في مال ولده ، وإن كان من هذه الجهة ، بخلاف دخوله بها في مال غيره ، وقد يحتمل أن يكون ما أباحه من ذلك من مال ولده على [ ص: 68 ] الأحوال التي يجب له بها الدخول في مال ولده ، فلا يكون لولده أن يمنعه من ذلك ومن بسط يده فيه عندها ، مع أنا قد تأملنا هذا الحديث ، فوجدناه مضافا إلى ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روينا عن ابن عمر ، عن عمر - رضي الله عنه - فيما تقدم منا في كتابنا هذا مما حدث به عنه سماعا له منه ، أنه قال فيمن وهب هبة : أنه أحق بها حتى يثاب منها بما يرضى .

فاستحال أن يكون ابن عمر مع علمه وجلالة مقداره سمع من عمر شيئا قد سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه ، فيترك أن يقول له : إني قد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في هذا خلاف الذي قلته فيه ، واستحال أيضا أن يكون بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر شيئا عن عمر - رضي الله عنه - يقول منه فيه ليستعمله الناس ، وعنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ما يخالف ذلك الحكم ، فعاد معنى حديث طاوس هذا إلى ما رواه الحسن بن مسلم عليه مما ذكرنا بانتفائه عن ابن عمر إلى الانقطاع الذي لا يحتج بمثله معه ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية