الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 335 ] 848 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله لعثمان - رضي الله عنه - : " إن الله - عز وجل - مقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ، فلا تخلعه "

5310 - حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي ، وفهد بن سليمان بن يحيى ، قالا : حدثنا المنهال بن بحر ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد يوما ألما ، فأرسل إلى عثمان - رضي الله عنه - فسمعته يقول له : يا عثمان : إن الله - عز وجل - سيقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ، فلا تخلعه . فقيل لها : فأين كنت ؟ لم تذكري هذا ! قالت : نسيته .

[ ص: 336 ]

5311 - وحدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا معاوية بن صالح . وحدثنا فهد وهارون بن كامل ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عبد الله بن عامر ، عن نعمان بن بشير الأنصاري ، قال : قالت لي عائشة : سمعت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : يا عثمان بن عفان ، لعل الله - عز وجل - يقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ، فلا تخلعه ، يا عثمان بن عفان ، إنه لعل الله - عز وجل - يقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ، فلا تخلعه ، قال : فقلت : يا أم المؤمنين ، فأين كنت من هذا الحديث ، فقالت : نسيته والله يا ابن أختي ، ما ظننت أني سمعته .

[ ص: 337 ] .

فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا بيعة عثمان - رضي الله عنه - قد كانت بيعة هدى ورشد واستقامة ، واتفاق من المهاجرين والأنصار وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواهم عليها ، لم يتنازعوا في ذلك ، ولم يختلفوا فيه ، وجرى الأمر له - رضوان الله عليه - على ذلك ما شاء الله أن يجري له من مدة خلافته ، ثم وقع بين الناس في أمره ما وقع من الاختلاف ، وادعى بعضهم عليه التبديل والتغيير لما كان عليه قبل ذلك ، وحاش لله - عز وجل - أن يكون كان ذلك كذلك حتى كان سببا لتحزبهم عليه في أمره ، واختلافهم عليه فيه ، وحتى هم بعضهم بإزالته عن ذلك لدعواه عليه الخروج عنه بالأحداث التي ادعوا عليه أنه أحدثها مما لا يصلح معها بقاؤه عليها ، وكان ما تقدم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره مما خاطبه به في عهده إليه في ذلك الأمر ، مما أطلعه الله - عز وجل - عليه منه ما قد رويناه في هذا الحديث دليلا على أن أحواله رضوان الله عليه حينئذ هي الأحوال التي استحق بها ما استحق من الخلافة في بدء أمره ، وفي اجتماع الناس على ذلك له لم يتغير عن ذلك ، ولم يحل عنه إلى ما سواه ; لأنه لو كان قد تغير عن ذلك ، وحال عنه إلى [ ص: 338 ] ما سواه مما ادعي عليه لخرج بذلك مما كان قد وجبت له ولايته بما كان عليه من الأسباب الموجبة له لما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتمسك بالخلافة التي كان عليها ، ولأمره برده إياها إلى من سواه ممن يستحقها ; لأن الله تبارك وتعالى قد كان أعلمه ما كان ينزل به ، وما كان يطلب من أجله ترك الخلافة التي قد كانت إليه قبل ذلك مما كان استحقاقه إياها بالأسباب التي كانت فيه ، وفي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه بلزومها ، وبالتمسك بها ، ما قد دل أن أحواله في وقته ذلك أحوال استحقاق لها ، لا تبديل معه فيها ، ولا تغير عما كان عليه قبل ذلك مما استحقها به ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية