الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          48 - أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار ، أبو عبد الرحمن النسائي القاضي الحافظ ، صاحب كتاب " السنن " .

                                                                          [ ص: 329 ] وغيره من المصنفات المشهورة .

                                                                          أحد الأئمة المبرزين والحفاظ المتقنين والأعلام المشهورين .

                                                                          طاف البلاد ، وسمع بخراسان ، والعراق ، والحجاز ، ومصر ، والشام ، والجزيرة من جماعة يطول ذكرهم ، قد ذكرنا روايته عنهم في تراجمهم من كتابنا هذا .

                                                                          وروى القراءة عن أحمد بن نصر النيسابوري المقرئ ، وأبي شعيب صالح بن زياد السوسي .

                                                                          روى عنه : إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب بن يوسف الإسكندراني ، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان القرشي الدمشقي ، وأبو العباس أبيض بن محمد بن الحارث بن أبيض القرشي الفهري المصري ، وأحمد بن إبراهيم بن محمد بن أشهب بن عبد العزيز القيسي العامري ، وأحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي ، وأبو الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم الأسدي . [ ص: 330 ] الدمشقي ، وأحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي العدوي المعروف بأبي هريرة ابن أبي العصام ، وأبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصى الدمشقي الحافظ . وأحمد بن عيسى القمي نزيل بيروت ، وأحمد بن القاسم بن عبد الرحمن الحرسي ، وأبو الحسن أحمد بن محبوب الرملي ، وأبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق ابن السني الدينوري ، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس النحوي ، المعروف : بابن النحاس ، وأبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد ابن الأعرابي ، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هاشم بن زامل الأذرعي ، وإسحاق بن عبد الكريم الصواف ، وجعفر بن محمد بن الحارث الخزاعي ، وأبو علي الحسن بن الخضر بن عبد الله الأسيوطي ، وأبو محمد الحسن بن رشيق العسكري ، وأبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ ، وأبو علي الحسين بن هارون المطوعي ، وأبو القاسم حمزة بن محمد بن علي بن محمد بن العباس الكناني الحافظ ، [ ص: 331 ] وأبو الخير زهير بن محمد بن يعقوب الملطي ، وسعيد بن قحلون بن سعيد البجاني ، وأبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ ، وأبو سعيد عبد [ ص: 332 ] الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي صاحب " تاريخ مصر " ، وأبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل الخولاني العروضي الخشاب المصري ، وأبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي الدمشقي ، وابنه : أبو موسى عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي ، وأبو الفتح عبيد الله بن جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي المعروف بابن الرواس ، وعلي بن أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ، وعلي بن محمد بن أحمد بن إسماعيل الطبري ، وأبو القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب الهمداني الدمشقي ، وأبو طالب عمر بن الربيع بن سليمان المصري ، وأبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي وهو من أقرانه ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن خالد بن يزيد الأعدالي المصري ، وأبو بكر محمد بن أحمد ابن الحداد المصري الفقيه ، وأبو الحسن محمد بن أحمد الرافقي ، ومحمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس النميري ، وأبو بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد ، ومحمد بن سعد السعدي الباوردي ، وأبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري ، وأبو بكر محمد بن علي بن الحسن بن أحمد النقاش التنيسي ، وأبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن محمد بن حماد العقيلي المكي الحافظ ، وأبو الطيب محمد بن الفضل بن العباس ، ومحمد بن القاسم بن محمد بن سيار القرطبي ، وأبو بكر محمد بن القاسم المصري الزاهد المعروف بوليد ، وأبو بكر محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم القرقساني ، وأبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب ابن المأمون الهاشمي ، وأبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي ، وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف [ ص: 333 ] الشيباني الحافظ المعروف بالأخرم ، ومنصور بن إسماعيل الفقيه المصري ، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني ، ويعقوب بن المبارك المصري ، وأبو القاسم يوسف بن يعقوب السوسي .

                                                                          قال أبو أحمد بن عدي الحافظ : سمعت منصورا الفقيه وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي يقولان : أبو عبد الرحمن النسائي إمام من أئمة المسلمين .

                                                                          وقال أيضا : أخبرني محمد بن سعد الباوردي ، قال : ذكرت لقاسم المطرز أبا عبد الرحمن النسائي ، فقال : هو إمام ، أو يستحق أن يكون إماما ، أو كما قال .

                                                                          وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ : سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول : سألت أبا عبد الرحمن النسائي ، وكان من أئمة المسلمين : ما تقول في بقية... فذكر كلاما .

                                                                          وقال أيضا : أخبرنا أبو علي الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الرحمن النسائي الإمام في الحديث بلا مدافعة .

                                                                          وقال أيضا : سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يذكر أربعة من أئمة المسلمين رآهم ، فيبدأ بأبي عبد الرحمن .

                                                                          وقال في موضع آخر : سمعت أبا علي الحافظ يقول : رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري ، اثنان منهم بنيسابور : محمد [ ص: 334 ] ابن إسحاق وإبراهيم بن أبي طالب ، وأبو عبد الرحمن النسائي بمصر ، وعبدان بالأهواز .

                                                                          وقال أيضا : سمعت جعفر بن محمد بن الحارث يقول : سمعت مأمون المصري الحافظ يقول : خرجنا مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس سنة الفداء ، فاجتمع جماعة من مشايخ الإسلام ، واجتمع من الحفاظ : عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن إبراهيم مربع وأبو الآذان وكيلجة وغيرهم ، فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ ، فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي ، فكتبوا كلهم بانتخابه .

                                                                          وقال أيضا : سمعت أبا الحسين محمد بن المظفر الحافظ يقول : سمعت مشايخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة ، ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ومواظبته على الحج والاجتهاد ، وأنه خرج إلى الفداء مع والي مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين والمشركين واحترازه عن مجالسة السلطان الذي خرج معه والانبساط بالمأكول والمشروب في رحله ، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه بدمشق من جهة الخوارج .

                                                                          وقال أيضا : سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول : أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره .

                                                                          وقال أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي الصوفي : سألت أبا الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ ، فقلت : إذا حدث محمد بن إسحاق بن خزيمة وأحمد بن شعيب النسائي حديثا من تقدم [ ص: 335 ] منهما ؟ قال : النسائي لأنه أسند ، على أني لا أقدم على النسائي أحدا وإن كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير .

                                                                          قال : وقال : سمعت أبا طالب الحافظ يقول : من يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النسائي ، كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث بها ، وكان لا يرى أن يحدث بحديث ابن لهيعة .

                                                                          وقال حمزة بن يوسف السهمي : وسئل - يعني : الدارقطني - إذا حدث أبو عبد الرحمن النسائي وابن خزيمة بحديث أيما تقدمه ؟ فقال : أبو عبد الرحمن ، فإنه لم يكن مثله ، ولا أقدم عليه أحدا ، ولم يكن في الورع مثله لم يحدث بما حدث ابن لهيعة ، وكان عنده عاليا عن قتيبة .

                                                                          وقال أبو عبد الرحمن السلمي أيضا : سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد المعدل النسوي بمصر يقول : سمعت أبا بكر ابن الحداد - وذكره بالفضل والدين والاجتهاد - قال : أخذت نفسي بما رواه الربيع عن الشافعي أنه كان يختم في شهر رمضان ستين ختمة ، سوى ما يقرأ في الصلاة وفي غير رمضان ثلاثين ختمة ، فأما في شهر رمضان فلم أقدر على تمام الستين ، وأكثر ما قدرت عليه تسعة وخمسين ختمة وأتيت في غير رمضان بثلاثين ختمة .

                                                                          قال الدارقطني : وكان ابن الحداد كثير الحديث ، ولم يحدث عن أحد غير أبي عبد الرحمن النسائي فقط ، وقال : رضيت به حجة بيني وبين الله .

                                                                          وقال أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون الهاشمي : كنت يوما في دهليز الدار التي كان أبو عبد الرحمن يسكنها في زقاق [ ص: 336 ] القناديل ومعي جماعة ننتظره لينزل ويمضي إلى الجامع ليقرأ علينا حديث الزهري ، فقال بعض من حضر : ما أظن أبا عبد الرحمن إلا يشرب النبيذ للنضرة التي في وجهه والدم الظاهر مع السن ! وقال آخرون : ليت شعرنا ما يقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ فقلت : أنا أسأله عن الأمرين وأخبركم ، فلما ركب مشيت إلى جانب حماره ، وقلت له : تمارى بعض من حضر في مذهبك في النبيذ ، فقال : مذهبي أنه حرام لحديث أبي سلمة عن عائشة : " كل شراب أسكر فهو حرام " ، فلا يحل لأحد أن يشرب منه قليلا ولا كثيرا .

                                                                          قلت : فما الصحيح من الحديث في إتيان النساء في أدبارهن ؟ فقال : لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في إباحته ولا تحريمه شيء ، ولكن محمد بن كعب القرظي حدث عن [ ص: 337 ] جدك ابن عباس : " اسق حرثك من حيث شئت " ، فلا ينبغي لأحد أن يتجاوز قوله .

                                                                          قال : وكان أبو عبد الرحمن يؤثر لباس البرود النوبية الخضر ، ويقول : هذا عوض من النظر إلى الخضرة من النبات فيما يراد لقوة البصر .

                                                                          وكان يكثر الجماع مع صوم يوم وإفطار يوم ، وكان له أربع زوجات يقسم لهن ، ولا يخلو مع ذلك من جارية واثنتين يشتري الواحدة بالمائة ونحوها ويقسم لها كما يقسم للحرائر .

                                                                          وكان قوته في كل يوم رطل خبز جيد يؤخذ له من سويقة العرافين لا يأكل غيره ، كان صائما أو مفطرا .

                                                                          وكان يكثر أكل الديوك الكبار ، تشترى له ، وتسمن ثم تذبح فيأكلها ، ويذكر أن ذلك ينفعه في باب الجماع .

                                                                          [ ص: 338 ] وسمعت قوما ينكرون عليه كتاب " الخصائص " لعلي رضي الله عنه وتركه لتصنيف فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، ولم يكن في ذلك الوقت صنفها ، فحكيت له ما سمعت ، فقال : دخلنا إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير ، فصنفت كتاب " الخصائص " رجاء أن يهديهم الله .

                                                                          ثم صنف بعد ذلك فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرأها على الناس ، وقيل له وأنا حاضر : ألا تخرج فضائل معاوية ؟ فقال : أي شيء أخرج ؟ ! " اللهم لا تشبع بطنه " ! وسكت وسكت السائل .

                                                                          وقال أبو بكر ابن المأمون أيضا : سمعت أبا بكر ابن الإمام الدمياطي يقول لأبي عبد الرحمن النسائي : ولدت في سنة أربع عشرة - يعني : ومائتين - ففي أي سنة ولدت يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال أبو عبد الرحمن : يشبه أن يكون في سنة خمس عشرة ومائتين ، لأن رحلتي الأولى إلى قتيبة كانت في سنة ثلاثين ومائتين ، أقمت عنده سنة وشهرين .

                                                                          وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ : سمعت علي بن عمر يقول : كان أبو عبد الرحمن النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره ، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار ، وأعلمهم بالرجال ، فلما بلغ [ ص: 339 ] هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة ، فسئل عن فضائل معاوية ، فأمسك عنه ، فضربوه في الجامع . فقال : أخرجوني إلى مكة ، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل ، وتوفي بها مقتولا شهيدا .

                                                                          قال الحاكم أبو عبد الله : ومع ما جمع أبو عبد الرحمن من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره ، فحدثني محمد بن إسحاق الأصبهاني ، قال : سمعت مشايخنا بمصر يذكرون أن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره ، وخرج إلى دمشق ، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان وما روي من فضائله ، فقال : ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل ؟ ! فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى مكة ، ومات بها سنة ثلاث وثلاث مائة وهو مدفون بمكة .

                                                                          قال الحافظ أبو القاسم : وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان ، وإنما تدل على الكف في ذكره بكل حال .

                                                                          ثم روى بإسناده عن أبي الحسن علي بن محمد القابسي ، قال : سمعت أبا علي الحسن بن أبي هلال يقول : سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار ، قال : فمن [ ص: 340 ] أراد معاوية فإنما أراد الصحابة .

                                                                          قال أبو سعيد بن يونس : قدم مصر قديما وكتب بها وكتب عنه ، وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا ، وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاث مائة .

                                                                          توفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاث مائة .

                                                                          وكذا قال أبو جعفر الطحاوي : إنه مات في صفر سنة ثلاث وثلاث مائة بفلسطين .

                                                                          وقيل : إنه مات بالرملة ودفن ببيت المقدس .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية