الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          96 - (ع) : أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي .

                                                                          خرج به من مرو حملا ، وولد ببغداد ، ونشأ بها ، ومات بها ، وطاف البلاد في طلب العلم ، ودخل الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة .

                                                                          روى عن : إبراهيم بن خالد الصنعاني (س) ، وإبراهيم بن سعد الزهري ، وإبراهيم بن شماس السمرقندي (د) ، وإبراهيم بن أبي العباس البغدادي ، المعروف : بالسامري (س) ، وإسحاق بن يوسف الأزرق (د) ، وإسماعيل ابن علية (م د س) ، والأسود بن عامر شاذان ، وبشر بن السري ، وبشر بن المفضل (د) ، وبهز بن أسد (د سي) ، وتليد بن سليمان المحاربي ، وثابت بن الوليد بن عبد الله بن جميع ، وجابر بن سليم الزرقي ، وجابر بن نوح ، وجرير بن عبد الحميد الرازي ، وجعفر بن عون ، وحجاج بن محمد المصيصي (د) ، والحسن بن موسى الأشيب (د) ، والحسين بن علي الجعفي [ ص: 438 ] والحسين بن الوليد النيسابوري (ل) ، وحفص بن غياث النخعي ، وأبي أسامة حماد بن أسامة ، وحماد بن خالد الخياط (د) ، وحماد بن مسعدة ، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي (مد) ، وخالد بن نافع الأشعري ، وخلف بن الوليد الجوهري ، وداود بن مهران الدباغ ، وربعي ابن علية ، وروح بن عبادة (د) ، وريحان بن سعيد السامي ، وزياد بن الربيع اليحمدي ، وزياد بن عبد الله البكائي ، وزيد بن الحباب (د) ، وزيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي ، وسفيان بن عيينة (م د) ، وأبي داود سليمان بن داود الطيالسي (م) ، وسليمان بن داود الهاشمي ، وسويد بن عمرو الكلبي ، وشبابة بن سوار الفزاري ، وأبي بدر شجاع بن الوليد السكوني ، وصفوان بن عيسى الزهري ، وأبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل ، وطلق بن غنام النخعي ، وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي ، وعباد بن عباد المهلبي ، وعباد بن العوام (د) ، وعبد الله بن إدريس الأودي (د) ، وعبد الله بن بكر السهمي ، وعبد الله بن نمير الهمداني (م د س) ، وأبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ (د) ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي ، وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي ، وعبد الرحمن بن غزوان المعروف بقراد أبي نوح (د) ، وعبد الرحمن بن مهدي (م د س) ، وعبد الرزاق بن همام (م د) ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، وأبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي (د) ، وأبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، وأبي عبيدة عبد الواحد بن واصل الحداد (س) ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي (د) ، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، وعبيد الله [ ص: 439 ] ابن عبيد الرحمن الأشجعي ، وعبيدة بن حميد (د) ، وعثمان بن عثمان الغطفاني (د) ، وعثمان بن عمر بن فارس ، وعفان بن مسلم الصفار (د) ، وعقبة بن خالد السكوني (د) ، وعلي بن عاصم الواسطي ، وعلي بن عياش الحمصي (د س) ، وعمر بن عبيد الطنافسي ، وغسان بن الربيع الموصلي ، وغسان بن مضر الأزدي ، وغسان بن المفضل الغلابي ، وغوث بن جابر بن غيلان بن منبه اليماني ، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، والفضل بن العلاء الكوفي ، والقاسم بن مالك المزني ، وقبيصة بن عقبة ، وقتيبة بن سعيد (ت) ، وقران بن تمام الأسدي ، وكثير بن مروان الفلسطيني ، وكثير بن هشام ، وليث بن خالد البلخي ، ومبشر بن إسماعيل الحلبي ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، ومحمد بن بكر البرساني (د) ، ومحمد بن جعفر غندر (م د س ق) ، وأبي معاوية محمد بن خازم الضرير (د) ، ومحمد بن الحسن الواسطي (ل) ، ومحمد بن سلمة الحراني (م د ق) ، وأبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري (د) ، ومحمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري (خ) ، ومحمد بن عبيد الطنافسي ، ومحمد بن أبي عدي (د) ، ومحمد بن فضيل بن غزوان (د) ، ومحمد بن يوسف الفريابي (د) ، وأبي كامل مظفر بن مدرك البغدادي الحافظ (ف) ، ومعاذ بن معاذ العنبري ، ومعاذ بن هشام الدستوائي (د) ، ومعتمر بن سليمان التيمي (خ م د) ، وأبي سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ، وأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي ، ونصر ابن باب ، وأبي المغيرة النضر بن إسماعيل ، ونوح بن ميمون (ل) ، وأبي النضر هاشم بن القاسم (د) ، وأبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهشيم بن بشير الواسطي (م د) ، وهشيم بن أبي ساسان الكوفي ، ووكيع بن الجراح (د س) ، والوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني ، .والوليد بن مسلم الدمشقي [ ص: 440 ] (د) ، ووهب ابن جرير بن حازم ، ويحيى بن آدم (د) ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة (م) ، ويحيى بن سعيد الأموي ، ويحيى بن سعيد القطان (م د س) ، ويزيد بن هارون (د) ، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري (م د) ، ويعلى بن عبيد الطنافسي ، ويونس بن محمد المؤدب ، وأبي بكر بن عياش ، وأبي سعيد مولى بني هاشم (صد) ، وأبي عمرو الشيباني النحوي ، وأبي القاسم بن أبي الزناد (ق) .

                                                                          روى عنه : البخاري ، ومسلم ، وأبو داود (ت) ، وإبراهيم بن إسحاق الحربي ، وأحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي (خ ت) ، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي الكبير ، وأحمد بن أبي الحواري ، وهو من أقرانه ، وأبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي ، وأبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي ، وأبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم الطائي ، وإدريس بن عبد الكريم المقرئ الحداد ، وإسحاق بن منصور الكوسج (ت سي) ، والأسود بن عامر شاذان ، وهو من شيوخه ، وبشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة الأسدي ، وبقي بن مخلد الأندلسي ، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، وحجاج بن الشاعر ، وحرب بن إسماعيل الكرماني ، وأبو عمرو حريث بن عبد الرحمن البخاري ، والحسن بن الصباح البزار ، وأبو عمار الحسين بن حريث المروزي ، وهو من أقرانه ، والحسين بن منصور بن جعفر النيسابوري (س) ، وهو من أقرانه ، وابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل ، وخلف بن هشام البزار ، وهو أكبر منه ، وداود بن عمرو الضبي ، وهو أكبر منه ، ورجاء بن مرجى الحافظ ، وزهير بن محمد بن قمير [ ص: 441 ] المروزي ، وزياد بن أيوب الطوسي ، وهو من أقرانه ، وسلمة بن شبيب النيسابوري ، وشاهين بن السميدع العبدي له عنه مسائل ، وابنه صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل ، وطاهر بن محمد بن الحسن التميمي ، وعباس بن عبد العظيم العنبري (ق) ، وعباس بن محمد الدوري ، وابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل (س) ، وعبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي ، وهو من أقرانه ، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، وهو آخر من حدث عنه ، وعبد الله بن محمد المعروف بفوران ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي ، وهو من أقرانه ، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وهو من شيوخه ، وعبد الرزاق بن همام ، وهو من شيوخه ، وأبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني (س) ، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي ، وهو من أقرانه ، وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، وعلي ابن المديني ، ومات قبله ، وعمرو بن منصور النسائي (س) ، والفضل بن زياد القطان ، والفضل بن سهل الأعرج ، والقاسم بن محمد المروزي ، وقتيبة بن سعيد ، وهو من شيوخه ، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي ، ومحمد بن إبراهيم الأنماطي مربع ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وهو من شيوخه ، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، وأبو بكر محمد بن إسماعيل الطبراني (س) ، وأبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، ومحمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني ، ومحمد بن داود المصيصي (س) ، ومحمد بن رافع النيسابوري ، وهو من أقرانه ، ومحمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، ومحمد بن عبد الرحمن السامي ، ومحمد بن عبيد الله بن المنادي ، ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، ومحمد بن علي [ ص: 442 ] ابن شعيب السمسار ، ومحمد بن عوف الطائي الحمصي ، ومحمد بن أبي غالب القومسي (صد) ، وأبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي ، ومحمد بن يحيى بن أبي سمينة البغدادي ، وهو من أقرانه ، ومحمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي (س ق) ، ومحمد بن يوسف البيكندي ، وموسى بن هارون بن عبد الله الحافظ ، ونصر بن عمران الحواجبي ، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو من شيوخه ، وهلال بن العلاء الرقي ، وهيذام بن قتيبة المروزي ، ووكيع بن الجراح ، وهو من شيوخه ، ويحيى بن آدم ، وهو من شيوخه ، ويحيى بن معين ، ومات قبله ، ويزيد بن هارون ، وهو من شيوخه ، ويعقوب بن سفيان الفارسي ، ويعقوب بن شيبة السدوسي ، ويوسف بن موسى العطار الحربي .

                                                                          قال عباس بن محمد الدوري : كان أحمد رجلا من العرب من بني ذهل بن شيبان .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي داود : أحمد بن حنبل من بني مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار أخي مضر بن نزار ، وكان في ربيعة رجلان لم يكن في زمانهما مثلهما لم يكن في زمان قتادة مثل قتادة ، ولم يكن في زمان أحمد بن حنبل مثله ، وهما جميعا سدوسيان .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علان القيسي في جماعة ، عن أبي علي حنبل [ ص: 443 ] ابن عبد الله بن الفرج الرصافي عن أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين عن أبي علي الحسن بن علي بن المذهب عن أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي عنه ، حدثنا أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام .

                                                                          وهكذا قال أبو نصر بن ماكولا ، إلا أنه زاد بعد مازن : ابن ذهل ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة .

                                                                          وقال الحافظ أبو بكر الخطيب فيما أخبرنا أبو العز الشيباني عن أبي اليمن الكندي عن أبي منصور القزاز عنه : قول عباس الدوري ، وأبي بكر بن أبي داود أن أحمد من بني ذهل بن شيبان غلط إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وذهل بن ثعلبة هذا هو عم ذهل بن شيبان حدثني من أثق به من العلماء بالنسب قال : مازن بن ذهل بن ثعلبة الحصن : هو ابن عكابة بن صعب بن علي ، ثم ساق النسب إلى ربيعة بن نزار ، كما ذكرناه عن ابن أبي داود قال : وهذه قبيلة أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وهذا هو ذهل المسن الذي منه دغفل بن حنظلة ، والقعقاع بن شور ، وابن أخيه عبد الملك بن نافع بن شور الذي يروي حديث الأشربة عن ابن عمر ، ومنه محارب بن دثار [ ص: 444 ] ومنه عمران بن حطان ، وهو بطن كثير العلماء ، والخطباء ، والشعراء ، والنسابين قال : وذهل الأكبر هو : ابن أخي هذا ، وسمي الأكبر ; لأن العدد في ولده ، وهو ذهل بن شيبان بن ثعلبة الحصن ، ومنه المثنى بن حارثة ، وفي ولده العدد والشرف والفخر ، وله قيل إذا كنت في قيس فكاثر بعامر بن صعصعة ، وحارب بسليم بن منصور ، وفاخر بغطفان بن سعد ، وإذا كنت في خندف فكاثر بتميم ، وفاخر بكنانة ، وحارب بأسد ، وإذا كنت في ربيعة فكاثر بشيبان ، وفاخر بشيبان ، وحارب بشيبان ، قال : فإذا قلت : الشيباني لم يفد المطلق من هذا إلا ولد شيبان بن ثعلبة الحصن ، وإذا قلت : ذهلي لم يفد مطلق هذا إلا ولد ذهل بن ثعلبة الحصن ، فينبغي أن يقال : أحمد بن حنبل الذهلي على الإطلاق .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : بلغني عن يحيى بن معين قال : ما رأيت خيرا من أحمد بن حنبل قط ، ما افتخر علينا قط بالعربية ، ولا ذكرها .

                                                                          وقال عبد الله بن محمد المسندي ، وعباس الدوري عن يحيى بن معين : ما سمعت أحمد بن حنبل يقول : أنا من العرب قط .

                                                                          وقال عباس الدوري : سمعت عارما محمد بن الفضل يقول : [ ص: 445 ] وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته ، وكان يجيء في كل يوم فيأخذ منه حاجته فقلت له يوما : يا أبا عبد الله بلغني أنك من العرب ، فقال : يا أبا النعمان نحن قوم مساكين ، فلم يزل يدافعني حتى خرج ولم يقل لي شيئا .

                                                                          وقال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : ولدت في سنة أربع وستين ومائة ، قال : وطلبت الحديث في سنة تسع وسبعين ومائة ، وأنا ابن ست عشرة .

                                                                          وقال صالح بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ولدت في سنة أربع وستين ومائة في أولها في ربيع الأول ، قال : وجيء به حملا من مرو ، وتوفي أبوه محمد بن حنبل ، وله ثلاثون سنة ، فوليته أمه - يعني كان سن أبيه حين توفي ثلاثين سنة - وأما أحمد فكان طفلا حين توفي أبوه ، ولذلك وليته أمه .

                                                                          وقال أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري : طلبت أحمد بن محمد بن حنبل لأسأله عن مسألة ، فجلست على باب الدار حتى جاء ، فقمت فسلمت عليه فرد علي السلام ، وكان شيخا مخضوبا طوالا أسمر شديد السمرة .

                                                                          وقال محمد بن العباس بن الوليد النحوي : سمعت أبي يقول : رأيت أحمد بن حنبل رجلا حسن الوجه ، ربعة من الرجال يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني في لحيته شعرات سود ، ورأيت ثيابه غلاظا إلا أنها بيض ، ورأيته معتما ، وعليه إزار .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : مات هشيم سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وخرجت إلى الكوفة في تلك الأيام [ ص: 446 ] ودخلت البصرة في أول رجب سنة ست وثمانين ومائة ، ومات معتمر في سنة سبع وثمانين في أولها ، ودخلت الثانية سنة تسعين ، والثالثة سنة أربع وتسعين ، وخرجت في سنة خمس وتسعين ، أقمت على يحيى بن سعيد ستة أشهر ، ودخلت سنة مائتين ولم أدخلها بعد ذلك .

                                                                          قال : وسمعت أبي يقول : أول قدمة قدمت البصرة سنة ست وثمانين ، وسمعنا من بشر بن المفضل ومرحوم وزياد بن الربيع وشيوخ ، والثانية سنة تسعين سمعنا من ابن أبي عدي ، والثالثة سنة أربع وتسعين ، فنزلت عند يحيى بن سعيد ستة أشهر ، والرابعة سنة مائتين فسمعنا من عبد الصمد ، وأبي داود ، والبرساني .

                                                                          وقال أيضا : قال أبي : سمعت من علي بن هاشم بن البريد سنة تسع وسبعين ومائة في أول سنة طلبت الحديث ، ثم عدت إليه المجلس الآخر ، وقد مات ، وهي السنة التي مات فيها مالك بن أنس .

                                                                          وقال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : إنا في مجلس هشيم سنة تسع وسبعين ، وهي أول سنة طلبت الحديث ، فجاءنا رجل فقال : مات حماد بن زيد ، ومات مالك بن أنس في تلك السنة .

                                                                          قال أبو عبد الله : ذهبت لأسمع من ابن المبارك فلم أدركه ، وكان قدم فخرج إلى الثغر فلم أسمعه ، ولم أره .

                                                                          وقال أيضا : سمعت أبا عبد الله يقول : حججت في سنة سبع وثمانين ، وقد مات فضيل بن عياض قبل ذلك .

                                                                          قال : ورأيت ابن وهب بمكة ، ولم أكتب عنه .

                                                                          وقال صالح بن أحمد بن حنبل : قال أبي : طلبت الحديث [ ص: 447 ] وأنا ابن ست عشرة سنة ، ومات هشيم ، وأنا ابن عشرين سنة ، وأنا أحفظ ما سمعت منه ، ولقد جاء إنسان إلى باب ابن علية ، ومعه كتب هشيم ، فجعل يلقيها علي ، وأنا أقول : هذا إسناده كذا ، وهذا إسناده كذا ، فجاء المعيطي ، وكان يحفظ ، فقلت له : أجبه فيها ، فبقي وأغرب من حديثه ما لم أسمع ، وخرجت إلى الكوفة سنة مات هشيم سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وهي أول سنة سافرت فيها ، وقدم عيسى بن يونس الكوفة بعدي بأيام سنة ثلاث وثمانين ولم يحج بعدها .

                                                                          قال : وأول خرجة خرجت إلى البصرة سنة ست وثمانين .

                                                                          قلت له : أي سنة خرجت ، إلى سفيان بن عيينة ؟ قال : في سنة سبع وثمانين قدمناها ، وقد مات الفضيل بن عياض ، وهي أول سنة حججت ، وفي سنة إحدى وتسعين حج الوليد بن مسلم ، وفي سنة ست وتسعين ، وأقمت بمكة سنة سبع وتسعين ، وخرجنا سنة ثمان وتسعين ، وأقمت سنة تسع وتسعين عند عبد الرزاق ، وجاءنا موت سفيان ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي سنة ثمان وتسعين .

                                                                          قال : وحججت خمس حجج ، منها ثلاث راجلا ، أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهما .

                                                                          قال أبي : وخرجت إلى الكوفة ، فكنت في بيت تحت رأسي لبنة .

                                                                          قال أبي : ولو كانت عندي خمسون درهما كنت خرجت إلى جرير بن عبد الحميد إلى الري ، فخرج بعض أصحابنا ، ولم يمكني الخروج لأنه لم يكن عندي .

                                                                          [ ص: 448 ] وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : قلت لأبي : مالك لم ترحل إلى جرير كما رحل أصحابك لعلك كرهته ؟ فقال : والله يا بني ما كرهته ، وبودي أني رحلت إليه ، إنه كان إماما في الرواية ، قلت : فما كان السبب ؟ فقال : لو كان معي ثلاثون درهما لرحلت ، فقلت : ثلاثون درهما ؟ ! فقال : لقد حججت في أقل من ثلاثين .

                                                                          وقال أبو بكر الأثرم : أخبرني عبد الله بن المبارك - وكان شيخا قديما - قال كنت عند إسماعيل ابن علية فتكلم إنسان بشيء فضحك بعضنا ، وثم أحمد بن حنبل قال : فأتينا إسماعيل ابن علية فوجدناه غضبان ، فقال : أتضحكون وعندي أحمد بن حنبل .

                                                                          وقال أيضا : أخبرني بعض من كان يطلب الحديث مع أبي عبد الله أحمد بن حنبل قال : ما زال أبو عبد الله بائنا عن أصحابه ، ولقد كنت يوما عند إسماعيل ابن علية فدخل أبو عبد الله أحمد بن حنبل ، وهو في أقل من ثلاثين سنة فما بقي في البيت أحد إلا وسع له ، وقال : هاهنا هاهنا . أخبرنا بذلك أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي ابن الصيقل الحراني ، قال : أخبرنا أبو علي بن أبي القاسم بن أبي علي ابن الخريف البغدادي بها سنة ثمان وتسعين وخمس مائة ، وأخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي في جماعة قالوا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد ، وأبو اليمن زيد بن الحسن ابن زيد الكندي ، قالوا : أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري [ ص: 449 ] قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق إملاء ، قال : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، قال : حدثنا أبو بكر الأثرم فذكرهما .

                                                                          وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ : حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبيد الله الجرجاني ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن البلخي ، قال : حدثنا عباس بن الوليد الخلال ، قال : حدثنا إبراهيم بن شماس ، قال : سمعت وكيع بن الجراح ، وحفص بن غياث يقولان : ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى يعنيان أحمد بن حنبل .

                                                                          وقال الحافظ أبو نعيم فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي الخير عن كتاب القاضي أبي المكارم اللبان ، عن أبي علي الحداد عنه أخبرنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمر بن الحسن القاضي قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكرابيسي قال : لما قدم أحمد بن حنبل البصرة ساء ابن الشاذكوني مكانه ، قال : وكأنه ذكره عند يحيى بن سعيد القطان ، فقال له يحيى بن سعيد : حتى أراه ، فلما رأى أحمد بن حنبل قال له : ويلك يا سليمان ، أما اتقيت الله تذكر حبرا من أحبار هذه الأمة ؟ ! .

                                                                          قال : وحدثنا الحسين بن محمد قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي قال : قال لي يحيى بن سعيد القطان : ما قدم علي مثل أحمد بن حنبل .

                                                                          وبه : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : كنت مقيما على يحيى بن سعيد القطان ، ثم خرجت إلى [ ص: 450 ] واسط ، فسأل يحيى بن سعيد عني فقالوا : خرج إلى واسط ، فقال : أي شيء يصنع بواسط ؟ قالوا : مقيم على يزيد بن هارون ، قال : وأي شيء يصنع عند يزيد بن هارون ؟ قال أبو عبد الرحمن يعني أبي : هو أعلم منه .

                                                                          وقال أبو بكر البيهقي : وفيما قرأت بخط محمد بن جعفر غندر الحافظ سماعه من عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : وحدثنا أحمد بن سنان قال : ما رأيت يزيد بن هارون لأحد أشد تعظيما منه لأحمد بن حنبل ، وكان يقعده إلى جنبه إذا حدثنا ، ومرض أحمد بن حنبل فركب إليه يزيد بن هارون وعاده .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي أنه رأى أحمد بن حنبل أقبل إليه أو قام من عنده ، فقال : هذا أعلم الناس بحديث سفيان الثوري .

                                                                          وقال أبو خالد يزيد بن الهيثم بن طهمان ، عن محمد بن سهل بن عسكر ذكر - يعني عبد الرزاق - يحيى بن معين فقال : ما رأيت مثله ، ولا أعلم بالحديث منه من غير سرد ، فأما علي ابن المديني فحافظ سراد ، وأما أحمد بن حنبل فما رأيت أفقه منه ، ولا أورع .

                                                                          وقال محمد بن إسحاق الثقفي عن محمد بن يونس : سمعت أبا عاصم - وذكر الفقه - فقال : ليس ثم - يعني ببغداد - إلا ذلك الرجل ، - يعني أحمد بن حنبل - ما جاءنا من ثم أحد غيره يحسن الفقه ، فذكر له علي ابن المديني فقال : بيده ونفضها .

                                                                          وقال أبو بكر المروذي فيما أخبرنا أبو العز الشيباني عن أبي اليمن الكندي عن أبي منصور القزاز عن أبي بكر الخطيب عن [ ص: 451 ] أبي القاسم الأزهري ، عن علي بن عمر الحافظ عن محمد بن مخلد عنه : سمعت خضرا بطرسوس يقول : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : سمعت يحيى بن آدم يقول : أحمد بن حنبل إمامنا .

                                                                          وقال أبو يعقوب يوسف بن عبد الله الخوارزمي : سمعت حرملة بن يحيى يقول : سمعت الشافعي يقول : خرجت من بغداد ، وما خلفت بها أفقه ، ولا أزهد ، ولا أورع ، ولا أعلم من أحمد بن حنبل .

                                                                          وقال محمد بن عبدوس بن كامل عن شجاع بن مخلد كنت عند أبي الوليد الطيالسي ، فورد عليه كتاب أحمد بن حنبل فسمعته يقول : ما بالمصرين - يعني البصرة والكوفة - أحد أحب إلي من أحمد بن حنبل ، ولا أرفع قدرا في نفسي منه .

                                                                          وقال أبو بكر الجارودي عن أحمد بن الحسن الترمذي : سمعت الحسن بن الربيع يقول : ما شبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته ، وهيئته .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن شبويه : سمعت قتيبة يقول : لولا الثوري لمات الورع ، ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين ، قلت لقتيبة : تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين ؟ فقال : إلى كبار التابعين .

                                                                          وقال أحمد بن سلمة النيسابوري : سمعت قتيبة بن سعيد يقول : أحمد بن حنبل إمام الدنيا .

                                                                          وقال أبو داود السجستاني : سمعت العباس بن عبد العظيم العنبري يقول : رأيت ثلاثة جعلتهم حجة فيما بيني وبين الله تعالى [ ص: 452 ] أحمد بن حنبل ، وزيد بن المبارك الصنعاني ، وصدقة بن الفضل .

                                                                          وقال أبو نعيم الحافظ فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير عن القاضي أبي المكارم اللبان إذنا عن أبي علي الحداد عنه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه قال : سمعت أبي يقول : قال لي أحمد بن حنبل : تعال حتى أريك رجلا لم تر مثله ، فذهب بي إلى الشافعي ، قال محمد بن إسحاق : قال لي أبي : وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل ، قال : وسمعت أبي يقول : لولا أحمد بن حنبل ، وبذل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن الحسين بن الحسن الرازي : سمعت علي ابن المديني يقول : ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغني أنه كان لا يحدث إلا من كتاب ، ولنا فيه أسوة حسنة .

                                                                          وقال أبو عوانة الإسفرائيني عن أبي الحسن الميموني : قال لي علي ابن المديني بالبصرة قبل أن يمتحن علي ، وبعد ما امتحن أحمد بن حنبل ، وضرب ، وحبس ، وأخرج : يا ميموني ما قام أحد في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل ، فتعجبت من هذا عجبا شديدا ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد قام في الردة ، وأمر الإسلام ما قام به قال الميموني : فأتيت أبا عبيد القاسم بن سلام فتعجبت إليه من قول علي ، قال : فقال لي أبو عبيد مجيبا : إذا يخصمك ! قلت : بأي شيء يا أبا عبيد ؟ وذكرت له أمر أبي بكر ، قال : إن أبا بكر وجد أنصارا ، وأعوانا ، وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصرا ، وأقبل أبو عبيد يطري أبا عبد الله ، ويقول : لست أعلم في الإسلام مثله .

                                                                          وقال سليمان بن أحمد الطبراني فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير عن القاضي أبي المكارم اللبان كتابة عن أبي علي الحداد ، وأخبرنا [ ص: 453 ] أبو العز الشيباني عن أبي اليمن الكندي ، عن أبي منصور القزاز عن أبي بكر الخطيب ، كلاهما عن أبي نعيم الحافظ عنه : حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي ، قال : كنا في مجلس فيه يحيى بن معين ، وأبو خيثمة زهير بن حرب ، وجماعة من كبار العلماء ، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ، ويذكرون فضائله ، فقال رجل : لا تكثروا بعض هذا القول فقال يحيى بن معين ، وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل تستنكر ؟ ! لو جلسنا مجلسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها .

                                                                          وقال عباس بن محمد الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول : - وذكروا أحمد بن حنبل - فقال يحيى : أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل ! لا والله ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد بن حنبل ، ولا على طريقة أحمد .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن علي بن الحسين بن الجنيد الرازي : سمعت أبا جعفر النفيلي يقول : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين .

                                                                          وقال صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي عن أبيه : وأحمد بن حنبل يكنى أبا عبد الله سدوسي من أنفسهم ، بصري من أهل خراسان ، ولد ببغداد ، ونشأ بها ثقة ثبت في الحديث نزه النفس فقيه في الحديث ، متبع يتبع الآثار صاحب سنة وخير .

                                                                          وقال أبو بكر المروذي : حضرت أبا ثور - وقد سئل عن مسألة - فقال : قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها : كذا وكذا .

                                                                          وقال الحسين بن محمد بن حاتم المعروف بعبيد العجل عن مهنا بن يحيى الشامي : ما رأيت أحدا أجمع لكل خير من أحمد بن حنبل ، ولقد رأيت سفيان بن عيينة ، ووكيعا ، وعبد الرزاق ، وبقية بن الوليد ، وضمرة بن ربيعة ، وكثيرا من العلماء ، فما رأيت مثل أحمد بن [ ص: 454 ] حنبل في علمه ، وفقهه ، وزهده ، وورعه . وقال العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي ، عن الحارث بن عباس : قلت لأبي مسهر : هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها ؟ قال : لا أعلمه إلا شاب في ناحية المشرق - يعني أحمد بن حنبل .

                                                                          وقال عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفرائيني عن عبد الله بن بشر الطالقاني : سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : قال الهيثم بن جميل : سمعت شريك بن عبد الله يقول : لم يزل لكل قوم حجة لأهل زمانه ، وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه ، قال أحمد بن أبي الحواري فقام فتى من مجلس الهيثم ، فلما توارى قال الهيثم : إن عاش هذا الفتى يكون حجة لأهل زمانه ، قلت لأحمد بن أبي الحواري : من ذاك الفتى ؟ قال : أحمد بن حنبل ، وقيل عن أحمد بن أبي الحواري عن أبي عثمان الرقي عن الهيثم بن جميل .

                                                                          وقال أبو أسامة عبد الله بن أسامة الكلبي ، عن عبد الله بن أبي زياد القطواني : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول : انتهى العلم - يعني علم الحديث - إلى أحمد بن حنبل ، وعلي بن عبد الله ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وكان أحمد أفقههم فيه ، وكان علي أعلمهم به ، وكان يحيى أجمعهم له ، وكان أبو بكر أحفظهم له .

                                                                          وقال يحيى بن محمد بن صاعد ، عن أبي بكر الأثرم قلت يوما ، ونحن عند أبي عبيد في مسألة ، فقال بعض من حضره : من قال هذا ؟ فقلت : من ليس في شرق الأرض ، ولا غربها أكبر منه أحمد بن حنبل ، فقال أبو عبيد : صدق .

                                                                          وقال علي بن خشرم : سمعت بشر بن الحارث - وسئل عن أحمد بن حنبل بعد المحنة - فقال : أنا أسأل عن أحمد ؟ ! إن ابن حنبل [ ص: 455 ] أدخل الكير فخرج ذهبا أحمر .

                                                                          وقال أبو بكر محمد بن يوسف ابن الطباع : سمعت أبا عبد الله البينوني - وكان يتعبد - يقول : قلت لبشر بن الحارث : ألا صنعت كما صنع أحمد بن حنبل ! فقال : تريد مني مرتبة النبيين ؟ لا يقوى بدني على هذا ، حفظ الله أحمد من بين يديه ، ومن خلفه ، ومن فوقه ، ومن أسفل منه ، وعن يمينه ، وعن شماله .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبي يوسف يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد : حدثني نصر بن علي قال : قال عبد الله بن داود الخريبي : كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه ، وكان بعده أبو إسحاق الفزاري أفضل أهل زمانه ، قال نصر بن علي : وأنا أقول : كان أحمد بن حنبل أفضل أهل زمانه .

                                                                          وقال محمد بن علي بن شعيب السمسار : سمعت أبي يقول : كان أحمد بن حنبل بالذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حتى إن المنشار ليوضع على فرق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه " ، ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا الشأن لكان عارا علينا إلى يوم القيامة ، أن قوما سبكوا فلم يخرج منهم أحد .

                                                                          وقال محمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني : سمعت إسماعيل بن الخليل يقول : لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية ، وفي رواية : لكان عجبا .

                                                                          وقال القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن الشاه بن جرير المعروف بابن الشاعر : سمعت [ ص: 456 ] حجاج بن الشاعر يقول : ما رأت عيناي روحا في جسد أفضل من أحمد بن حنبل .

                                                                          وقال أحمد بن سلمة النيسابوري : سمعت أحمد بن سعيد الدارمي يقول : ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أعلم بفقهه ، ومعانيه من أبي عبد الله أحمد بن حنبل .

                                                                          وقال إدريس بن عبد الكريم المقرئ : رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة ، ومصعب الزبيري ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وعثمان بن أبي شيبة ، وعبد الأعلى بن حماد النرسي ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وعلي ابن المديني ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، وأبي خيثمة زهير بن حرب ، وأبي معمر القطيعي ، ومحمد بن جعفر الوركاني ، وأحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي ، ومحمد بن بكار ابن الريان ، وعمرو بن محمد الناقد ، ويحيى بن أيوب المقابري العابد ، وسريج بن يونس ، وخلف بن هشام البزار ، وأبي الربيع الزهراني ، فيمن لا أحصيهم من أهل العلم والفقه يعظمون أحمد بن حنبل ، ويجلونه ويوقرونه ويبجلونه ويقصدونه بالسلام عليه .

                                                                          وقال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي : أخبرني أبو حاتم أحمد بن الحسن البزاز الفقيه بالري ، قال : سمعت الإمام الحسن بن علي بن جعفر الأصبهاني الحنبلي بالري يقول : سمعت أحمد بن محمد بن سليل التميمي الرازي وراق عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول : سمعت ابن أبي حاتم يقول : سمعت أبي يقول : إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل ، فاعلموا أنه صاحب سنة .

                                                                          [ ص: 457 ] قال ابن أبي حاتم : وسمعت أبا جعفر محمد بن هارون المخرمي الغلاس يقول : إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل ، فاعلم أنه مبتدع .

                                                                          وقال أبو يعلى الموصلي : سمعت أحمد بن إبراهيم الدورقي يقول : من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام .

                                                                          وقال أبو الحسن علي بن محمد المطيري : سمعت أبا الحسن الطرخاباذي الهمذاني يقول : أحمد بن حنبل محنة ، به يعرف المسلم من الزنديق . وقال أحمد بن سلمة النيسابوري : سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول كنت ألتقي بالعراق مع يحيى بن معين ، وخلف - يعني ابن سالم - وأصحابنا ، وكنا نتذاكر الحديث من طريقين وثلاثة ، ثم يقول يحيى بن معين : وطريق كذا ، وطريق كذا ، فأقول لهم : أليس قد صح بإجماع منا ؟ فيقولون : نعم ، فأقول : ما تفسيره ؟ ما مراده ؟ ما فقهه ؟ فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل ، فإنه يتكلم بكلام له قوي .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما أخبرنا أبو العز الشيباني عن أبي اليمن الكندي عن أبي منصور الشيباني عن أبي بكر الحافظ عن إبراهيم بن عمر الفقيه عن عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري عن أبي حفص عمر بن محمد بن رجاء عنه : سمعت أبا زرعة الرازي يقول : كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف [ ص: 458 ] ألف حديث ، فقيل له : وما يدريك ؟ قال : ذاكرته فأخذت عليه الأبواب .

                                                                          وقال موسى بن هارون الحافظ ، عن نوح بن حبيب القومسي : رأيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في مسجد الخيف سنة ثمان وتسعين ومائة مستندا إلى المنارة ، وجاءه أصحاب الحديث ، وهو مستند فجعل يعلمهم الفقه ، والحديث ، ويفتي الناس في المناسك .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل حضر قوم من أصحاب الحديث في مجلس أبي عاصم الضحاك بن مخلد ، فقال لهم : ألا تتفقهون وليس فيكم فقيه ؟ ! فجعل يذمهم ، فقالوا : فينا رجل ، فقال : من هو ؟ فقالوا : الساعة يجيء ، فلما جاء أبي قالوا : قد جاء ، فنظر إليه ، فقال له : تقدم ، فقال : أكره أن أتخطى الناس ، فقال أبو عاصم : هذا من فقهه واحد ، فقال : وسعوا له فوسعوا فدخل فأجلسه بين يديه ، وألقى عليه مسألة فأجاب ، وألقى ثانية فأجاب ، وثالثة فأجاب ، ومسائل فأجاب فقال أبو عاصم : هذا من دواب البحر ، ليس من دواب البر ، أو من دواب البر ليس من دواب البحر .

                                                                          وقال عبد الله أيضا : خرج أبي إلى طرسوس ماشيا ، وخرج إلى اليمن ماشيا ، وحج خمس حجج ثلاثا منها ماشيا ، ولا يمكن لأحد أن يقول رأى أبي في هذه النواحي يوما إلا إذا خرج إلى الجمعة ، وكان أصبر الناس على الوحدة ، وبشر رحمه الله فيما كان فيه ، لم يكن يصبر على الوحدة ، وكان يخرج إلى ذا ساعة ، وإلى ذا ساعة .

                                                                          وقال أيضا : كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة ، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته ، فكان يصلي في كل يوم وليلة [ ص: 459 ] مائة وخمسين ركعة ، وقد كان قرب من الثمانين ، وكان يقرأ في كل يوم سبعا يختم في كل سبعة أيام ، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار ، وكان ساعة يصلي العشاء الآخرة ، ينام نومة خفيفة ، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو .

                                                                          وقال أيضا : مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوما ، وما ذاق شيئا إلا مقدار ربع سويق كل ليلة كان يشرب شربة ماء ، وفي كل ثلاث ليال يستف حفنة من السويق ، فرجع إلى البيت ، ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر ، ورأيت موقيه قد دخلا في حدقته .

                                                                          وقال أيضا : نزلنا بمكة دارا ، وكان فيها شيخ يكنى بأبي بكر بن سماعة ، وكان من أهل مكة قال : نزل علينا أبو عبد الله في هذه الدار ، وأنا غلام فقالت لي أمي : الزم هذا الرجل فاخدمه ، فإنه رجل صالح ، فكنت أخدمه ، وكان يخرج يطلب الحديث فسرق متاعه ، وقماشه ، فجاء يوما فقالت له أمي : دخل عليك السراق فسرقوا قماشك ، فقال : ما فعلت الألواح ؟ فقالت له أمي : في الطاق ، وما سأل عن شيء غيره .

                                                                          وقال أيضا : كتب إلي أبو نصر الفتح بن شخرف الخراساني بخط يده أنه سمع عبد بن حميد يقول : سمعت عبد الرزاق يقول : قدم علينا أحمد بن حنبل هاهنا فأقام سنتين إلا شيئا ، فقلت له : يا أبا عبد الله خذ هذا الشيء ، دفعته إليه ، فانتفع به ، فإن أرضنا ليست بأرض متجر ، ولا مكتسب ، وأرانا عبد الرزاق كفه ، ومدها فيها دنانير ، فقال أحمد : أنا بخير ، ولم يقبل مني .

                                                                          وقال أبو جعفر أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد المصري عن محمد بن سعيد الترمذي : قدم صديق لنا من خراسان فقال : إني أتخذ بضاعة ، ونويت أن أجعل ربحها لأحمد بن حنبل [ ص: 460 ] فخرج ربحها عشرة آلاف درهم ، فأردت حملها إليه ، ثم قلت حتى أذهب إليه فأنظر كيف الأمر عنده ، فذهبت إليه فسلمت عليه ، فقلت : فلان فعرفه فقلت : إنه أبضع بضاعة ، وجعل ربحها لك ، وهو عشرة آلاف درهم ، فقال : جزاه الله عن العناية خيرا نحن في غنى وسعة ، وأبى أن يأخذها .

                                                                          وقال الحافظ أبو نعيم فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير عن أبي المكارم اللبان إذنا ، عن أبي علي الحداد عنه : حدثنا أبو أحمد الغطريفي حدثني زكريا الساجي ، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن صالح الأزدي حدثني إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال : دفع المأمون مالا فقال : اقسمه على أصحاب الحديث ، فإن فيهم ضعفا ، فما بقي أحد إلا أخذ إلا أحمد بن حنبل فإنه أبى .

                                                                          قال : وحدثنا سليمان - هو ابن أحمد - حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري ، قال : حمل إلى الحسن بن عبد العزيز الجروي ميراثه من مصر مائة ألف دينار ، فحمل إلى أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس ، كل كيس ألف دينار ، فقال : يا أبا عبد الله ، هذه من ميراث حلال ، فخذها فاستعن بها على عيلتك ، قال : لا حاجة لي بها ، أنا في كفاية فردها ، ولم يقبل منها شيئا .

                                                                          وقال العباس بن محمد الدوري : سمعت أبا جعفر الأنباري يقول : لما حمل أحمد بن حنبل يراد به المأمون ، أخبرت فعبرت الفرات إليه فإذا هو في الخان ، فسلمت عليه ، فقال : يا أبا جعفر ، تعنيت ! فقلت : ليس هذا عناء ، قال : فقلت له : يا هذا ، أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ، فوالله إن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن بإجابتك [ ص: 461 ] خلق من خلق الله ، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، ولا بد من الموت فاتق الله ، ولا تجبهم إلى شيء ، فجعل أحمد يبكي ، وهو يقول : ما شاء الله ، ما شاء الله ، قال : ثم قال لي أحمد : يا أبا جعفر ، أعد علي ما قلت ، قال : فأعدت عليه ، قال : فجعل يقول : ما شاء الله ما شاء الله .

                                                                          وقال دعلج بن أحمد السجستاني : حدثنا أبو بكر السهروردي بمكة ، قال : رأيت أبا ذر بسهرورد ، وقد قدم مع واليها ، وكان مقطعا بالبرص - يعني وكان ممن ضرب أحمد بن حنبل بين يدي المعتصم - قال : دعينا في تلك الليلة ، ونحن خمسون ومائة جلاد ، فلما أن أمرنا بضربه كنا نعدو حتى نضربه ، ونمر ثم يجيء الآخر على أثره ، ثم يضرب .

                                                                          وقال دعلج أيضا : حدثنا الخضر بن داود أخبرني أبو بكر النجاحي قال : لما كان في تلك الغداة التي ضرب فيها أحمد بن حنبل زلزلنا ، ونحن بعبادان .

                                                                          وقال أحمد بن مروان الدينوري المالكي : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنفي قال : سمعت أبي يقول : كنت في الدار ، وقت أدخل أحمد بن حنبل ، وغيره من العلماء فلما أن (مد) أحمد ليضرب بالسوط دنا منه رجل وقال له : يا أبا عبد الله ، أنا رسول خالد الحداد من الحبس يقول : لك اثبت على ما أنت عليه ، وإياك أن تجزع من الضرب ، واصبر ، فإني ضربت ألف حد في الشيطان ، وأنت تضرب في الله .

                                                                          وقال أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي : دخلت إلى أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح ، وهما محبوسان بصور ، فسألت محمد بن [ ص: 462 ] نوح : كيف كان تقييده - يعني أحمد - وأحمد قريب منا يسمع ، قال : لما امتحن أحمد جمع له كل جهمي ببغداد ، فقال بعضهم : إنه مشبه ، فقال إسحاق بن إبراهيم والي بغداد : أليس يقول : ليس كمثله شيء ؟ قال : بلى ، وهو السميع البصير قالوا : شبه ، أي شيء أردت بهذا ؟ قال : ما أردت شيئا ، قلت كما قال القرآن ، فسألوه عن حديث جامع بن شداد - وكتب في الذكر - فقال : كان محمد بن عبيد يخطئ فيه ، قال : كان محمد بن عبيد يقول : - وخلق في الذكر - ثم تركه ، وسألوه عن حديث مجاهد " إلى ربها ناظرة " ، وحديث آخر عن مجاهد قال : اختلط بأخرة ، قال إسحاق : أليس زعمت أنك لا تحسن الكلام ، أراك قائما بحجتك ، فطرح القيد وخلي عنه .

                                                                          وقال البخاري : لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد يقول : لو كان هذا في بني إسرائيل لكان أحدوثة .

                                                                          وقال أبو نعيم الحافظ فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير عن كتاب أبي المكارم اللبان عن أبي علي الحداد عنه : حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن الفضل السقطي ، قال : وحدثنا عبد الله بن [ ص: 463 ] محمد ، حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر قالا : حدثنا سلمة بن شبيب قال : كنا في أيام المعتصم يوما جلوسا عند أحمد بن حنبل ، فدخل رجل فقال : من منكم أحمد بن حنبل ؟ فسكتنا ، فلم نقل شيئا ، فقال أحمد : هاأنذا أحمد ، فما حاجتك ؟ قال : جئت من أربع مائة فرسخ برا وبحرا ، كنت ليلة جمعة نائما فأتاني آت ، فقال لي : تعرف أحمد بن حنبل ؟ قلت : لا ، قال : فائت بغداد ، وسل عنه ، فإذا رأيته فقل : إن الخضر يقرئك السلام ، ويقول : إن سامك السماء الذي على عرشه راض عنك ، والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك لله .

                                                                          زاد ابن بحر في حديثه : قال : فقال له أحمد : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، ألك حاجة غير هذا ؟ قال : ما جئتك إلا لهذا ، فتركه وانصرف .

                                                                          وقال هلال بن العلاء الرقي : من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم : بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ، ولولا ذلك لكفر الناس ، وبالشافعي تفقه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسر الغريب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطإ .

                                                                          وقال صالح بن أحمد بن حنبل فيما أخبرنا الحافظ أبو حامد محمد بن علي ابن الصابوني ، وغيره عن أبي القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري ، عن أبي الحسن علي بن المسلم السلمي عن أبي الحسن بن أبي الحديد ، عن جده أبي بكر بن أبي الحديد ، عن أبي [ ص: 464 ] بكر الخرائطي ، عنه : قلت لأبي يوما : إن فضلا الأنماطي جاء إليه رجل فقال : اجعلني في حل ، قال : لا جعلت أحدا في حل أبدا ، قال : فتبسم ، فلما مضت أيام قال : يا بني مررت بهذه الآية فمن عفا وأصلح فأجره على الله فنظرت في تفسيرها ، فإذا هو إذا كان يوم القيامة ، قام مناد فنادى : لا يقوم إلا من كان أجره على الله ، فلا يقوم إلا من عفا ، فجعلت الميت في حل من ضربه إياي ، ثم جعل يقول : وما على رجل ألا يعذب الله أحدا بسببه .

                                                                          وقال أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان فيما أخبرنا أبو العز ابن المجاور عن أبي اليمن الكندي عن أبي منصور القزاز عن أبي بكر الخطيب عن أبي القاسم الأزهري عنه : أخبرنا أبو عيسى عبد الرحمن بن زاذان بن يزيد بن مخلد الرزاز في قطيعة بني جدار ، قال : كنت في المدينة باب خراسان ، وقد صلينا ونحن قعود ، وأحمد بن حنبل حاضر فسمعته ، وهو يقول : اللهم من كان على هوى أو على رأي ، وهو يظن أنه على الحق ، فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد ، اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به ، ولا تجعلنا في رزقك خولا لغيرك ، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا ، ولا ترانا حيث نهيتنا ، ولا تفقدنا حيث أمرتنا ، أعزنا ولا تذلنا ، أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعاصي .

                                                                          قال : وجاء إليه رجل فقال له شيئا لم أفهمه ، فقال : له اصبر [ ص: 465 ] فإن النصر مع الصبر ، ثم قال : سمعت عفان بن مسلم يقول : حدثنا همام عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا " .

                                                                          قال ابن شاذان : سألت أبا عيسى : في أي سنة ولدت ؟ قال : في سنة إحدى وعشرين ومائتين ، وسألته : في أي سنة مات أحمد بن حنبل ؟ قال : في سنة إحدى وأربعين ومائتين .

                                                                          وقال حنبل بن إسحاق بن حنبل : مات أبو عبد الله في سنة إحدى وأربعين ومائتين يوم الجمعة في ربيع الأول ، وهو ابن سبع وسبعين سنة .

                                                                          وقال عباس بن محمد الدوري : توفي أبو عبد الله أحمد بن حنبل ببغداد يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى ، وأربعين ومائتين ، ومات وله سبع وسبعون سنة وأيام .

                                                                          وهكذا قال محمد بن عبد الله الحضرمي : إنه مات لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول .

                                                                          وقال يعقوب بن سفيان عن الفضل بن زياد : توفي أبو عبد الله يوم الجمعة ضحوة لثنتي عشرة خلت من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وقد أتى له سبع وسبعون سنة .

                                                                          [ ص: 466 ] وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : توفي أبي - رحمه الله - يوم الجمعة ضحوة ، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر ، غلبنا على الصلاة عليه ، وقد كنا صلينا عليه نحن والهاشميون داخل الدار ، وكان له ثمان وسبعون سنة .

                                                                          قال عبد الله : وخضب أبي رأسه ، ولحيته بالحناء ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .

                                                                          وهكذا قال نصر بن القاسم الفرائضي ، وأبو الحسن أحمد بن عمران الشيباني : إنه مات في ربيع الآخر .

                                                                          زاد الفرائضي : يوم الجمعة لثلاث عشرة بقين منه .

                                                                          وقال أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي : مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين ، ولم يتابعه أحد على قوله سنة اثنتين .

                                                                          وقال أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي ، عن بنان بن أحمد بن أبي خالد القصباني : حضرت الصلاة على جنازة أحمد بن حنبل يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وكان الإمام عليه محمد بن عبد الله بن طاهر ، فأخرجت جنازة أحمد بن حنبل ، فوضعت في صحراء أبي قيراط ، وكان الناس خلفه إلى عمارة سوق الرقيق ، فلما انقضت الصلاة ، قال محمد بن عبد الله بن طاهر : انظروا كم صلى عليه ورأى ! قال : فنظروا فكانوا ثمان مائة ألف رجل ، وستين ألف امرأة ، ونظروا من صلى في مسجد الرصافة العصر ، فكانوا نيفا وعشرين ألف رجل .

                                                                          [ ص: 467 ] وقال جعفر بن محمد بن الحسين المعروف بالترك عن فتح بن الحجاج : سمعت في دار الأمير أبي محمد عبد الله بن طاهر : أن الأمير بعث عشرين رجلا ، فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل ، قال : فحزروا فبلغ ألف ألف وثمانين ألفا .

                                                                          وقال غيره : وثلاث مائة ألف ، سوى من كان في السفن في الماء .

                                                                          وقال الإمام أبو عثمان الصابوني : سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : حضرت جنازة أبي الفتح القواس الزاهد مع الشيخ أبي الحسن الدارقطني ، فلما بلغ إلى ذلك الجمع الكبير أقبل علينا .

                                                                          وقال : سمعت أبا سهل بن زياد القطان يقول : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي يقول : قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز ، قال أبو عبد الرحمن على أثر هذه الحكاية : إنه حزر الحزارون المصلين على جنازة أحمد ، فبلغ العدد بحزرهم ألف ألف ، وسبع مائة ألف ، سوى الذين كانوا في السفن .

                                                                          [ ص: 468 ] وقال الحافظ أبو نعيم فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير عن أبي المكارم اللبان إذنا ، عن أبي علي الحداد عنه : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن محمد بن عمر حدثني نصر بن خزيمة ، قال : ذكر ابن مجمع بن مسلم ، قال : كان لنا جار قتل بقزوين ، فلما كان الليلة التي مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه في صبيحتها ، فقال : إني رأيت رؤيا عجيبة ، رأيت أخي الليلة في أحسن صورة راكبا على فرس ، فقلت له : يا أخي أليس قد قتلت ؟ فما جاء بك ؟ قال : إن الله عز وجل أمر الشهداء ، وأهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل ، وكنت فيمن أمر بالحضور ، فأرخنا تلك الليلة ، فإذا أحمد بن حنبل مات فيها .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي : حدثني أبو بكر محمد بن عباس المكي قال : سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل قال : أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس .

                                                                          قال : وسمعت الوركاني يقول : يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف من الناس ; المسلمين ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس .

                                                                          [ ص: 469 ] وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني يوسف بن بختان - وكان من خيار المسلمين - قال : لما مات أحمد بن حنبل رأى رجل في منامه كأن على كل قبر قنديلا ، فقال : ما هذا ؟ فقيل له : أما علمت أنه نور لأهل القبور بنزول هذا الرجل بين أظهرهم ، وقد كان فيهم من يعذب فرحم .

                                                                          وقال الحافظ أبو نعيم بالإسناد المتقدم : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : قرأت على مسبح بن حاتم العكلي ، قال : حدثنا إبراهيم بن جعفر المروذي ، قال : رأيت أحمد بن حنبل في المنام يمشي مشية يختال فيها ، فقلت : ما هذه المشية يا أبا عبد الله ؟ قال : هذه مشية الخدام في دار السلام .

                                                                          وبه : قال حدثنا سليمان بن أحمد : حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثني حبيش بن الورد ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقلت : يا نبي الله ، ما بال أحمد بن حنبل ؟ فقال : سيأتيك موسى عليه السلام فسله ، فإذا أنا بموسى عليه السلام فقال : يا نبي الله ما بال أحمد بن حنبل ؟ فقال : أحمد بن حنبل بلي بالسراء والضراء فوجد صادقا ، فألحق بالصديقين .

                                                                          وبه : قال حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، حدثنا عبد الله بن [ ص: 470 ] أبي داود ، حدثنا علي بن سهيل السجستاني - وكان مرجئا - فجعلت أقول له : ارجع عن هذا ، فقال : أنا لم أرجع بأحمد بن حنبل أرجع بقولك ؟ ! فقلت له : أرأيت أحمد ؟ قال : رأيته في المنام ، قلت : كيف رأيت ؟ قال : رأيت كأن القيامة قد قامت ، وكأن الناس جاؤوا إلى موضع ، عنده قنطرة لا يترك أحد يجوز حتى يجيء بخاتم ، ورجل ناحية يختم الناس ، ويعطيهم فمن جاء بالخاتم جاز ، فقلت : من هذا الذي يعطي الناس الخواتيم ؟ فقالوا : هذا أحمد بن حنبل رحمه الله .

                                                                          وقال الحافظ أبو بكر الخطيب فيما أخبرنا أبو العز الشيباني عن أبي اليمن الكندي ، عن أبي منصور القزاز عنه : أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق - إملاء - حدثنا محمد بن أحمد ابن المهدي ، حدثنا أحمد بن محمد الكندي ، قال : رأيت أحمد بن حنبل في المنام ، فقلت : يا أبا عبد الله ، ما صنع الله بك ؟ قال : غفر لي ، ثم قال : يا أحمد ، ضربت في ؟ قال : قلت نعم يا رب ، قال : يا أحمد هذا وجهي ، فانظر إليه ، فقد أبحتك النظر إليه .

                                                                          مناقب هذا الإمام وفضائله كثيرة جدا ، لو ذهبنا نستقصيها لطال الكتاب ، وفيما ذكرنا كفاية ، وبالله التوفيق .

                                                                          وروى له الباقون .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية