الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          119 - (ل) : أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم بن عوف بن وهب بن عميرة بن هاجر بن عمير بن عبد العزى بن قمير بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي أبو عبد الله البغدادي الشهيد .

                                                                          وسويقة نصر ببغداد منسوبة إلى أبيه نصر ، وكان جده مالك بن [ ص: 506 ] الهيثم أحد نقباء بني العباس في ابتداء الدولة العباسية .

                                                                          وعمرو الذي سقنا نسبه إليه هو عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف ، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحي أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار ; لأنه أول من بحر البحيرة ، وسيب السائبة ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي ، وغير دين إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام " ،

                                                                          وولد خزاعة هم ولد كعب بن عمرو هذا ، وقيل : ولد كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر من غسان ، والله أعلم .

                                                                          وكان أحمد بن نصر هذا من أهل العلم والدين والفضل ، مشهورا بالخير ، أمارا بالمعروف ، قوالا بالحق .

                                                                          روى عن : الحسين بن محمد المروزي شيخ له ، والحسين بن الوليد النيسابوري ، وحماد بن زيد ، ورباح بن زيد الصنعاني ، وسفيان بن عيينة (ل) ، وعبد العزيز بن أبي رزمة ، وعلي بن الحسين بن واقد ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن ثور الصنعاني ، وهشيم بن بشير ، وغيرهم .

                                                                          ولم يحدث إلا بشيء يسير .

                                                                          [ ص: 507 ] روى عنه : أحمد بن إبراهيم الدورقي (ل) ، وسلمة بن شبيب النيسابوري ، وعبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ومحمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، ومحمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، ومحمد بن المطلب الخزاعي ، ومحمد بن يوسف بن عيسى ابن الطباع ، ومحمد بن يوسف الصابوني الحافظ ، ومعاوية بن صالح الأشعري ، ويحيى بن معين ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي .

                                                                          أخبرنا يوسف بن يعقوب الشيباني : أخبرنا زيد بن الحسن الكندي : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ : أخبرنا الحسن بن علي الجوهري : أخبرنا محمد بن العباس الخزاز : حدثنا محمد بن القاسم بن جعفر الكوكبي : حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، قال : سمعت يحيى بن معين ، وذكر أحمد بن نصر بن مالك فترحم عليه ، وقال : قد ختم الله له بالشهادة ، قلت ليحيى : كتبت عنه شيئا ؟ قال : نعم ، نظرت له في مشايخ الجنديين ، وأحاديث عبد الصمد بن معقل ، وعبد الله بن عمرو بن مسلم الجندي ، قلت ليحيى : من يحدث عن عبد الله بن عمرو بن مسلم ؟ قال : عبد الرزاق ، قلت : ثقة هو ؟ قال : ثقة ، ليس به بأس ، قلت : فأبوه عمرو بن مسلم الذي يحدث عن طاوس كيف هو ؟ قال : وأبوه لا بأس به ، ثم قال يحيى : كان عند أحمد بن نصر مصنفات هشيم كلها ، وعن مالك أحاديث كبار ، ثم قال يحيى : كان أحمد يقول : ما دخل عليه أحد يصدقه - يعني الخليفة - ثم قال يحيى : ما كان يحدث ، كان يقول : لست موضع ذاك - يعني أحمد بن نصر بن مالك رحمه الله - وأحسن يحيى الثناء عليه .

                                                                          وبه : أخبرنا محمد بن الحسين القطان حدثنا جعفر بن [ ص: 508 ] محمد الخلدي ، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، قال : وقتل أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي سنة إحدى وثلاثين ومائتين .

                                                                          قال الحافظ أبو بكر : وكان قتله في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن .

                                                                          وبه : حدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري ، حدثنا محمد بن عمران المرزباني ، أخبرني محمد بن يحيى الصولي ، قال : كان أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي من أهل الحديث ، وكان جده من رؤساء نقباء بني العباس ، وكان أحمد وسهل بن سلامة حين كان المأمون بخراسان بايعا الناس على الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر إلى أن دخل المأمون بغداد ، فرفق بسهل حتى لبس السواد ، وأخذ الأرزاق ، ولزم أحمد بيته ، ثم إن أمره تحرك ببغداد في آخر أيام الواثق ، واجتمع إليه خلق من الناس يأمرون بالمعروف إلى أن ملكوا بغداد ، وتعدى رجلان من أصحابه يقال لأحدهما : طالب في الجانب الغربي ، ويقال للآخر : أبو هارون في الجانب الشرقي ، وكانا موسرين ، فبذلا مالا ، وعزما على الوثوب ببغداد في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، فنم عليهم قوم إلى إسحاق بن إبراهيم ، فأخذ جماعة فيهم أحمد بن نصر ، وأخذ صاحبيه طالبا وأبا هارون فقيدهما ، ووجد في منزل أحدهما أعلاما ، وضرب خادما لأحمد بن نصر فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلا فيعرفونه ما عملوا [ ص: 509 ] فحملهم إسحاق مقيدين إلى سر من رأى فجلس لهم الواثق ، وقال لأحمد بن نصر : دع ما أخذت له ، ما تقول في القرآن ؟ قال : كلام الله ، قال أفمخلوق هو ؟ قال : كلام الله ، قال : أفترى ربك في القيامة ؟ قال : كذا جاءت الرواية ، قال : ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر ، أنا أكفر برب هذه صفته ما تقولون فيه ؟ فقال عبد الرحمن بن إسحاق ، وكان قاضيا على الجانب الغربي ببغداد فعزل : هو حلال الدم .

                                                                          وقال جماعة من الفقهاء كما قال ، فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله ، فقال للواثق : يا أمير المؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة ، أو تغير عقل ، يؤخر أمره ويستتاب ، فقال الواثق : ما أراه إلا مؤديا لكفره قائما بما يعتقده منه ، ودعا الواثق بالصمصامة .

                                                                          وقال : إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي ، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده ، ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه ، وهو مقيد ، وأمر بشد رأسه بحبل ، وأمرهم أن يمدوه ، ومشى إليه حتى ضرب عنقه ، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فنصب بالجانب الشرقي أياما ، وفي الجانب الغربي أياما ، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس .

                                                                          وبه : أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ : حدثني أبي قال : سمعت أبا محمد الحسن بن محمد بن بحر الحربي يقول : سمعت جعفر بن محمد الصائغ يقول : بصر عيني وإلا فعميتا ، وسمع أذني وإلا فصمتا أحمد بن نصر الخزاعي حيث ضربت عنقه ، يقول رأسه : لا إله إلا الله ، أو كما قال . [ ص: 510 ] وبه : أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله الحذاء المقرئ : حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم الختلي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق ، حدثنا أبو بكر المروذي ، قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - وذكر أحمد بن نصر ، فقال رحمه الله : ما كان أسخاه لقد جاد بنفسه .

                                                                          وبه : أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب : أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال : سمعت أبا العباس السياري يقول : سمعت أبا العباس بن سعيد - قال الحافظ أبو بكر : وليس بابن عقدة هذا شيخ مروزي - قال : لم يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مرو : أحمد بن حنبل أبو عبد الله ، وأحمد بن نصر بن مالك الخزاعي ، ومحمد بن نوح بن ميمون المضروب ، ونعيم بن حماد ، وقد مات في السجن مقيدا ، فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه .

                                                                          وهذه نسخة الرقعة المعلقة في أذن أحمد بن نصر بن مالك : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك ، دعاه عبد الله الإمام هارون ، وهو الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة ، فعجله الله إلى ناره ، وكتب محمد بن عبد الملك .

                                                                          ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون ، والمعتصم ضرب أحمد بن حنبل ، والواثق قتل أحمد بن نصر ، وكذلك نعيم بن حماد .

                                                                          ولما جلس المتوكل دخل عليه عبد العزيز بن يحيى المكي [ ص: 511 ] فقال : يا أمير المؤمنين ، ما رؤي أعجب من أمر الواثق ، قتل أحمد بن نصر ، وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن ، قال : فوجد المتوكل من ذلك ، وساءه ما سمعه في أخيه ، إذ دخل عليه محمد بن عبد الملك الزيات ، فقال له : يا ابن عبد الملك في قلبي من قتل أحمد بن نصر ، فقال : يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ، قال : ودخل عليه هرثمة ، فقال : يا هرثمة في قلبي من قتل أحمد بن نصر ، فقال : يا أمير المؤمنين قطعني الله إربا إربا إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ، قال : ودخل عليه أحمد بن أبي دؤاد ، فقال : يا أحمد في قلبي من قتل أحمد بن نصر ، فقال : يا أمير المؤمنين ضربني الله بالفالج إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ، قال المتوكل : فأما الزيات فأنا أحرقته بالنار ، وأما هرثمة فإنه هرب وتبدى ، واجتاز بقبيلة خزاعة ، فعرفه رجل في الحي ، فقال : يا معشر خزاعة هذا الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر ، فقطعوه إربا إربا ، وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده .

                                                                          وبه : أخبرنا الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي قال : حمل أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي من بغداد إلى سر من رأى ، فقتله الواثق في يوم الخميس ليومين بقيا من شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، وفي يوم السبت مستهل شهر رمضان نصب رأسه ببغداد على رأس الجسر ، وأخبرني أبي أنه رآه ، وكان شيخا أبيض الرأس واللحية ، وأخبرني أنه وكل برأسه من يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر ، وأن الموكل به ذكر أنه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه ، فيقرأ سورة يس بلسان طلق ، وأنه لما أخبر بذلك طلب [ ص: 512 ] فخاف على نفسه فهرب .

                                                                          وبه : حدثنا أبو نصر إبراهيم بن هبة الله الجرباذقاني بها ، حدثنا معمر بن أحمد الأصبهاني ، أخبرني أبو عمرو عثمان بن محمد العثماني إجازة ، حدثني علي بن محمد بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن خلف ، قال : كان أحمد بن نصر خلي ، فلما قتل في المحنة ، وصلب رأسه ، أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن ، فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عليه ، وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه ، فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون فاقشعر جلدي ، ثم رأيته بعد ذلك في المنام ، وعليه السندس والإستبرق ، وعلى رأسه تاج فقلت : ما فعل الله عز وجل بك يا أخي ؟ قال : غفر لي ، وأدخلني الجنة إلا أني كنت مغموما ثلاثة أيام ، قلت : ولم ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بي ، فلما بلغ خشبتي حول وجهه عني ، فقلت له بعد ذلك : يا رسول الله ، قتلت على الحق أو على الباطل ؟ فقال : أنت على الحق ، ولكن قتلك رجل من أهل بيتي ، فإذا بلغت إليك أستحيي منك .

                                                                          وبه : قال قرأت على بكر البرقاني ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال : سمعت أبا بكر المطوعي ، قال : لما جيء برأس أحمد بن نصر [ ص: 513 ] صلبوه على الجسر ، كانت الريح تديره قبل القبلة ، فأقعدوا له رجلا معه قصبة أو رمح ، فكان إذا دار نحو القبلة أداره إلى خلاف القبلة .

                                                                          قال : وسمعت خلف بن سالم يقول : بعد ما قتل أحمد بن نصر ، وقيل له : ألا تسمع ما الناس فيه يا أبا محمد ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : يقولون إن رأس أحمد بن نصر يقرأ ، قال : كان رأس يحيى بن زكريا يقرأ .

                                                                          وقال السراج : سمعت عبد الله بن محمد يقول : حدثنا إبراهيم بن الحسن قال : رأى بعض أصحابنا أحمد بن نصر بن مالك في النوم بعد ما قتل ، فقال : ما فعل بك ربك عز وجل ؟ قال : ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك إلي .

                                                                          وبه : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ، أخبرنا أبو بكر النجاد ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبو الحسن بن العطار محمد بن محمد ، قال : سمعت أبا جعفر الأنصاري ، قال : سمعت محمد بن عبيد - وكان من خيار الناس - يقول : رأيت أحمد بن نصر في منامي ، فقلت : يا أبا عبد الله ما صنع بك ربك ؟ قال : غضبت له فأباحني النظر إلى وجهه تعالى .

                                                                          وبه : قال الحافظ أبو بكر : لم يزل رأس أحمد بن نصر منصوبا ببغداد ، وجسده مصلوبا بسر من رأى ست سنين إلى أن حط وجمع بين رأسه وبدنه ، ودفن بالجانب الشرقي في المقبرة ، المعروفة بالمالكية .

                                                                          [ ص: 514 ] وبه : أنبأنا محمد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا محمد بن عمر بن غالب الجعفي ، أخبرنا موسى بن هارون ، قال : دفن أحمد بن نصر بن مالك ببغداد في شوال سنة سبع وثلاثين ومائتين بعد الفطر بيوم أو يومين .

                                                                          وبه : قال قرأت على البرقاني عن أبي إسحاق المزكي ، قال : قال محمد بن إسحاق السراج : قتل أحمد بن نصر بن مالك يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين وأنزل برأسه ، وأنا حاضر ببغداد ، يوم الثلاثاء لثلاث خلت من شوال سنة سبع وثلاثين ومائتين .

                                                                          روى أبو داود في كتاب " المسائل " عن أحمد بن إبراهيم الدورقي ، عن أحمد بن نصر ، قال : سألت سفيان بن عيينة " القلوب بين إصبعين " ، " وإن الله يضحك ممن يذكره في الأسواق " فقال : أمروها كما جاءت بلا كيف .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية