[ ص: 220 ]  509 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن إضاعة المال 
 3196  - حدثنا  علي بن معبد  ، قال : حدثنا  يعلى بن عبيد الطنافسي  ، قال : حدثنا  محمد بن سوقة  ، عن محمد بن عبيد الله الثقفي  ، عن وراد  ، قال : كتب  المغيرة بن شعبة  إلى معاوية   - وزعم وراد  أنه كتبه بيده - : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله حرم ثلاثا ، ونهى عن ثلاث : عقوق الوالدين ، ووأد البنات ، ولا وهات ، ونهى عن ثلاث : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وإلحاف السؤال   . 
 [ ص: 221 ] 
 3197  - حدثنا  أبو أمية  ، قال : حدثنا  عبيد الله بن موسى العبسي  ، قال : أخبرنا  شيبان - وهو النحوي -  ، عن  منصور  ، عن  الشعبي  ، عن وراد كاتب المغيرة  ، عن  المغيرة بن شعبة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ، وحرم عليكم  [ ص: 222 ] ثلاثا : وأد البنات ، وعقوق الأمهات ، ومنعا وهات   . 
 [ ص: 223 ] فتأملنا ما في هذا الحديث من إضاعة المال ما هو . ؟ 
 3198  - فوجدنا  أبا أمية  قد حدثنا ، قال : حدثنا فيض بن الفضل السحيمي   - قال  أبو جعفر   : وهو فخذ من بجيلة  ، وهم من رهط أبي يوسف القاضي  ؛ لأن  أبا يوسف  من بجيلة  حليف الأنصار  ، غير أنهم قد ولدوه - ، قال : حدثنا السري بن إسماعيل  ، قال : حدثنا  عامر الشعبي  ، قال : حدثنا  مسروق  ، عن  عبد الله  ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم آت وأنا عنده ، فقال : يا رسول الله إني مطاع في قومي فبم آمرهم ؟ قال : مرهم بإفشاء السلام ، وقلة الكلام إلا فيما يعنيهم ، فقال : يا رسول الله ، فعم أنهاهم ؟ قال : انههم عن قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال - يعني بالمال الحيوان أن لا يضيع ويحسن إليهم ، هكذا في الحديث - ، وانههم عن عقوق الأمهات ، ووأد البنات ، ومنع وهات   . 
 [ ص: 224 ] قال  أبو جعفر   : وكان هذا الحديث ، وإن كان مداره على السري بن إسماعيل  ، وقد تكلم فيه من تكلم ، فإنه شيخ قديم قد روى عنه الجلة من الكوفيين  ومن غيرهم ، وليس بمتروك الحديث . 
فكان [ في ] هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيه عن إضاعة المال ، وتأويل إضاعة المال على الحيوان أن لا يضيع وأن يحسن إليهم ، وكان هذا التأويل حسنا ؛ لأن القيام بهم فيما لا تقوم أنفسهم إلا به من الطعام والشراب والكسوة ، أعني في بني آدم ، ومن العلوفات في سائر الحيوانات ، واجب على مالكيهم لهم ، وكان مالكوهم إن قصروا عن ذلك آثمين ، وبه مأخوذين . 
ومما يقوي ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان منه عند موته من الوصية للناس بما ملكت أيمانهم مع وصيته إياهم بالصلاة المفروضة عليهم . 
 3199  - حدثنا  أبو أمية  ، قال : حدثنا  قبيصة بن عقبة  ، قال : حدثنا  سفيان  ، عن  سليمان التيمي  ،  [ ص: 225 ] عن  أنس  ، قال : أوصى رسول الله ولسانه لا يكاد ، فذكر كلمة ، فقال : الصلاة وما ملكت أيمانكم   . 
 3200  - حدثنا  أبو أمية  ، قال : حدثنا  النفيلي  ، قال : حدثنا  زهير بن معاوية  ، قال : حدثنا  سليمان التيمي  ، عن  أنس  ، قال : كان آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت : الصلاة وما ملكت أيمانكم ، فما زال يغرغرها في صدره وما يفيض بها لسانه   . 
قال  أبو جعفر   : غير أنا وجدنا سليمان التيمي قد أدخل فيما بينه وبين أنس  في هذا الحديث رجلا لم يسمه . 
 3201  - كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس  ، قال : حدثني  وكيع  [ ص: 226 ] بن الجراح  ، قال : حدثنا  سفيان  ، عن  سليمان التيمي  ، عن من  سمع  أنس بن مالك  يقول : كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغرغر بنفسه : الصلاة وما ملكت أيمانكم   . 
فنظرنا في ذلك الرجل المسكوت عن اسمه في هذا الحديث هل سماه أحد . ؟ 
 3202  - فوجدنا محمد بن عمرو بن يونس  قد حدثنا ، قال : حدثنا  أسباط بن محمد  ، عن  سليمان التيمي  ، عن  قتادة  ، عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه ، قال : كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت : الصلاة وما ملكت أيمانكم ، حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم يغرغر بها لسانه   . 
ثم نظرنا هل روي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه . 
 3203  - فوجدنا  الربيع بن سليمان المرادي  قد حدثنا ، قال : حدثنا  [ ص: 227 ]  أسد بن موسى  ، قال : حدثنا  أبو عوانة  ، عن  قتادة  ، عن  سفينة مولى أم سلمة  ، عن  أم سلمة  ، قالت : كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ، حتى جعل يجلجلها في صدره ، وما يفيص بها لسانه   . 
قال : وكان ما في هذا الحديث من ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته ما ملكت الأيمان إلى الصلاة ، وتوكيد الأمر في ذلك على الناس ، ما قد دل على وجوبها الوجوب الذي لا يسع التقصير عنه ، ولا يكمل الإيمان إلا به . 
 [ ص: 228 ] وهذا التأويل الذي تؤول على هذا المعنى أحسن ما تؤول في النهي عن إضاعة المال . 
وقد تأوله آخرون على خلاف ذلك ، وذهبوا إلى أنه النهي عن إضاعة المال الذي جعله الله قياما للناس في معايشهم ، وفيما لا تستقيم لهم أمورهم إلا به من الحيوان ومن غير الحيوان ، واحتجوا في ذلك بما قد روي عن عمرو بن العاص  ، وعن قيس بن عاصم  ، في هذا المعنى . 
كما حدثنا  أحمد بن عبد الرحمن بن وهب  ، قال : حدثنا  إسحاق بن الفرات  ، قال : حدثنا  ابن لهيعة  ، عن الأسود بن مالك الحميري  ، عن بحير بن ذاخر المعافري  ، أنه سمع  عمرو بن العاص  في خطبته يوم الجمعة يقول : يا معشر الناس ، إياي وخلالا أربعا ، فإنهن يدعون إلى النصب بعد الراحة ، وإلى الضيق بعد السعة ، وإلى المذلة بعد العزة ، إياي وكثرة العيال ، وإخفاض الحال ، والتضييع للمال ، والقيل بعد القال في غير درك ولا نوال   . 
وكما حدثنا  يونس   والربيع المرادي  وسليمان الكيساني  ، قالوا : حدثنا  يحيى بن حسان  ، قال : حدثنا  هشيم  ، عن زياد الجصاص  ، عن  الحسن  ،  [ ص: 229 ] عن قيس بن عاصم  أنه قال لبنيه لما حضرته الوفاة : عليكم بالمال واصطناعه ، فإنه منبهة للكريم ، ويستغنى به عن اللئيم   . 
وقد تأوله آخرون على غير هذا التأويل . 
كما حدثنا  علي بن معبد  ، قال : حدثنا  يعلى بن عبيد  ، قال : حدثنا  محمد بن سوقة  ، عن ابن سعيد بن جبير  ، قال : سأل رجل  سعيد بن جبير  عن إضاعة المال ، فقال : أن يرزقك الله رزقا فتنفقه فيما حرم عليك   . 
قال : وكل هذه التأويلات فمحتملة لما أريد في إضاعة المال ،  [ ص: 230 ] غير أن أقواها في قلوبنا : التأويل الأول منها ، والله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها أو مما سواها ، والله عز وجل نسأله التوفيق . 
				
						
						
