الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 280 ] 521 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جلود الميتة في طهارتها بالدباغ وفيما يخالف ذلك

3236 - حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عامر ووهب بن جرير ، قالا : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن عبد الله بن عكيم ، قال : قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بأرض جهينة ، وأنا غلام شاب : أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب .

[ ص: 281 ]

3237 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا شجاع بن الوليد السكوني ، عن عبد الملك بن أبي غنية ، عن الحكم ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3238 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن الشيباني ، عن الحكم ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو جعفر : وكان ما في حديث شعبة من قول ابن عكيم " قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بأرض جهينة ، وأنا غلام شاب " [ ص: 282 ] تحقيق حضوره لذلك ، وسماعه إياه من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ما في حديث ابن أبي غنية : جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما في حديث الشيباني : كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد يحتمل أن يكون ذلك مما لم يحضره ابن عكيم ، ويكون قوله : جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على معنى : كتب إلى قومنا ، كما قال النزال بن سبرة : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3239 - حدثنا فهد بن سليمان وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قالا : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة ، قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا وإياكم في الجاهلية ندعى بني عبد مناف ، ونحن اليوم بنو عبد الله ، وأنتم بنو عبد الله ، يعني لقوم النزال .

هكذا في الحديث فلم يكن ذلك بسماع النزال إياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا بحضوره إياه من قوله ، وإنما هو بسماع قومه إياه منه ، [ ص: 283 ] وبمحضرهم له من قوله ، وهذا جائز من كلام العرب ، وموجود مثله في كثير من الحديث .

3240 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن خالد - يعني الحذاء - ، عن الحكم ، قال : أتينا عبد الله بن عكيم ، فدخل الأشياخ وجلست بالباب ، فخرجوا ، فأخبروني عن عبد الله بن عكيم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة : أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا بعصب ، كتب قبل أن يموت بشهرين .

قال أبو جعفر : فوقفنا بهذا الحديث على الوقت الذي كان فيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر فيه كتابه به ، ثم كشفنا عن حقيقة هذا الحديث .

[ ص: 284 ]

3241 - فوجدنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن المبارك ، قال : حدثنا صدقة بن خالد ، عن يزيد بن أبي مريم ، عن القاسم بن مخيمرة ، عن عبد الله بن عكيم ، قال : حدثني أشياخ من جهينة ، قالوا : أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن لا تنتفعوا من الميتة بشيء .

فحقق ما في هذا الحديث أن ابن عكيم لم يكن شهد ذلك من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا حضر قراءته على من ذكر فيه أنه قرئ عليه ، وكان هؤلاء الأشياخ من جهينة لم يسموا لنا فنعرفهم ، ونعلم أنهم ممن يؤخذ مثل هذا عنهم لصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لأحوال فيهم سوى ذلك توجب قبول رواياتهم ، ولما لم نجد ذلك لهم لم تقم بهذا الحديث عندنا حجة .

وكان حديث ابن عباس عن ميمونة الذي قد ذكرناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا في أمره إياهم بدباغ جلد الشاة التي ماتت لهم ، وقوله لهم عند ذلك : إنما حرم لحمها ، أولى منه لصحة مجيئه ، واستقامة طريقه ، وعدل رواته .

[ ص: 285 ] وقد روي أيضا عن ابن عباس هذا الحديث ، فذكر فيه أن الشاة كانت لسودة ابنة زمعة ، وذكر فيه ما يدل على أن ذلك القول كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان لهم بعد إنزال الله عز وجل تحريم الميتة .

3242 - كما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا أبو الأحوص ( ح ) وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا المقدمي ، قال : حدثنا أبو عوانة ، قال صالح في حديثه : عن سماك بن حرب ، وقال ابن أبي داود في حديثه ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، ثم قالا جميعا في حديثيهما : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ماتت شاة لسودة ابنة زمعة ، فقالت : يا رسول الله ، ماتت فلانة - تعني الشاة - ، قال : فلولا أخذتم مسكها ، فقالت : نأخذ مسك شاة قد ماتت ! ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما قال الله عز وجل : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية ، فإنه لا بأس بأن تدبغوه فتنتفعوا به ، قالت : فأرسلت ، فسلخت مسكها فدبغته ، فاتخذت منه قربة حتى تخرقت .

[ ص: 286 ] ثم وجدنا عن ابن عباس في ذلك أيضا :

3243 - ما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن وعلة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما إهاب دبغ فقد طهر .

[ ص: 287 ]

3244 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : حدثنا مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن وعلة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا دبغ الأديم فقد طهر .

3245 - وما قد حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثني زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن وعلة ، أنه قال لابن عباس : إنا نغزو أرض المغرب ، وإنما أسقيتنا جلود الميتة ، فقال ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما مسك [ ص: 288 ] دبغ فقد طهر .

3246 - وما قد حدثنا الربيع أيضا ، قال : حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر ، قال : حدثنا أبي ، عن جعفر بن ربيعة ، أنه سمع أبا الخير يخبر عن ابن وعلة أنه سأل ابن عباس ، فقال : إنا نغزو هذا المغرب ولهم قرب يكون فيها الماء وهم أهل وثن ، فقال ابن عباس : الدباغ طهور ، فقال له ابن وعلة : أعن رأيك أو عن شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : بل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 289 ] وفي ذلك ما يوجب إباحة جلود الميتة إذا دبغت ، وفي هذا الباب آثار قد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذه الآثار تجزئ عن بقيته ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية