الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ثم خص الناظم الوالدين بحسن الخلق لهما والصحبة معهما فقال ( ولا سيما ) فإن كلمة لا سيما تدخل ما بعدها فيما قبلها بطريق أولى . فقولهم تستحب الصدقة في شهر رمضان ولا سيما في العشر الأواخر ، معناه واستحبابها في العشر الأواخر آكد وأفضل ، فهو مفضل على ما قبله . وقال الإمام العلامة ابن هشام في مغني اللبيب : ودخول الواو على لا واجب . قال ثعلب : من استعلمه على خلاف ما جاء في قول امرئ القيس

" ولا سيما يوم بدارة جلجل

" فهو مخطئ . انتهى كلام ثعلب . قال ابن هشام : وذكر غيره أنه قد يخفف وتحذف الواو ، كقول الشاعر :

وبالعهود وبالأيمان لا سيما     عقد وفاء به من أعظم القرب

وفي القاموس : ولا سيما زيد مثل لا مثل زيد وما لغو ويرفع زيد مثل دع ما زيد وتخفف الياء . انتهى قال ابن هشام : ويجوز في الاسم الذي بعدها الجر والرفع مطلقا والنصب أيضا إذا كان نكرة . وقد روى بهن ولا سيما يوم فالجر أرجحها وهو على الإضافة وما زائدة بينهما مثلها في أيما الأجلين ، والرفع على أنه خبر لمضمونه محذوف وما موصولة أو نكرة موصوفة بالجملة ، والتقدير ولا مثل الذي هو يوم أو ولا مثل شيء هو يوم [ ص: 372 ] ويضعفه في نحو ولا سيما زيد حذف العائد المرفوع مع عدم الطول وإطلاق ما على من يعقل . وعلى الوجهين ففتحة شيء إعراب لأنه مضاف والنصب على التمييز كما يقع التمييز بعد مثل نحو { ولو جئنا بمثله مددا } وما كافة عن الإضافة ، والفتحة فتحة بناء مثلها في لا رجل . وأما انتصاب المعرفة نحو ولا سيما زيدا فمنعه الجمهور . وقال ابن الدهان : لا أعرف له وجها .

ووجهه بعضهم بأن ما : كافة ولا سيما نزلت منزلة إلا في الاستثناء . ورد بأن المستثنى مخرج وما بعده داخل من باب أولى . وأجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها . وعلى هذا فيكون استثناء منقطعا . انتهى .

وفي لغة الإقناع قال ابن يعيش : ولا يستثنى بسيما إلا ومعها جحد .

وقال ثعلب : من قاله بغير اللفظ الذي جاء به امرؤ القيس فقد أخطأ . ووجه ذلك أن لا سيما تساق لترجيح ما بعدها على ما قبلها فيكون كالمخرج عن مساواته إلى التفضيل وقال ابن الحاجب : لا يستثنى بها إلا ما يراد تعظيمه وبعضهم يستثني بسيما . انتهى .

قلت وقد ولع به جماعة من المتأخرين فتحصل أن الأرجح أن يقال ولا سيما بالواو ولا وتشديد الياء كما في كلام امرئ القيس والناظم هنا ، ويقال لا سيما من غير واو بالتشديد وعدمه ، ويقال سيما من غير واو ولا لا .

والظاهر أن عدم التشديد يجيء في الثلاث حالات وأنه ضرورة والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية