مطلب : في بيان حكم الغناء واستماعه  عند الأئمة الأربعة . 
أما  مالك  فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب . وسئل  مالك  عما يرخص فيه أهل المدينة  من الغناء ، فقال إنما يفعله عندنا الفساق . 
وأما  أبو حنيفة  فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب ، وكذلك مذهب أهل الكوفة   سفيان  وحماد   وإبراهيم  والشعبي  وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ، ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة  في المنع منه . 
قال الإمام ابن القيم  في إغاثة اللهفان : مذهب  أبي حنيفة  في ذلك من أشد المذاهب ، وقوله فيه أغلظ الأقوال ، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب ، وصرحوا أنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة ، وأبلغ من ذلك قالوا : إن السماع فسق والتلذذ به كفر ، هذا لفظهم ، وورد في ذلك حديث لا يصح رفعه قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره . 
وقال  أبو يوسف  في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي : ادخل عليهم بغير إذنهم ، لأن النهي عن المنكر فرض ، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفروض . وأما الإمام  الشافعي  فقال في كتاب أدب القضاء : إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ، من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته . 
وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه ، وأنكروا من نسب إليه حله كالقاضي  [ ص: 163 ]  أبي الطيب الطبري   والشيخ أبي إسحاق  وابن الصباغ    . قال  الشيخ أبو إسحاق  في التنبيه : ولا تصح يعني الإجارة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر  ، ولم يذكر فيه خلافا . 
وتقدم كلام الإمام النووي   وابن الصلاح  وكلام الإمام  الشافعي  في التغبير . وأما مذهب الإمام  أحمد  رضي الله عنه فقد تقدمت الإشارة إليه . وقد نص في أيتام ورثوا جارية مغنية فأرادوا بيعها ، فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة ، فقالوا إذا بيعت مغنية ساوت عشرين ألفا أو نحوها ، وإذا بيعت ساذجة لا تساوي ألفين ، فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة ، فلو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الأيتام . 
( الثاني ) : محل الخلاف إن لم يكن السماع من أجنبية . قال الإمام ابن القيم  أو أمرد فأما سماعه من الأجنبية فمن أعظم المحرمات وأشدها إفسادا للدين . 
قال الإمام  الشافعي    : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ، وغلظ القول فيه وقال هو دياثة ، فمن فعل ذلك كان ديوثا . قال  القاضي أبو الطيب    : وإنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيها فاسقا . قال وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق ، واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعون عليهما . 
قال ابن القيم  يريد بهما ( إبراهيم بن سعيد    ( وعبيد الله بن الحسن    ) فإنه قال وما خالف في الغناء إلا رجلان إبراهيم بن سعيد  وعبيد الله  ، فإن الساجي  حكى عن إبراهيم  أنه كان لا يرى به بأسا ، والثاني عبيد الله بن حسن العنبري  قاضي البصرة  وهو مطعون فيه . انتهى . . 
				
						
						
