مطلب : في كراهة الكي إلا لحاجة : 
وقبل الأذى لا بعده الكي فاكرهن وعنه على الإطلاق غير مقيد   ( وقبل ) حصول ( الأذى ) المحوج إلى الكي بالنار ، وكذا قبل حصول الداء الموجب لقطع بعض العروق مكروه الكي وقطع العروق ، ( لا ) يكره ذلك ( بعده ) أي بعد وجود الداء الموجب ( للكي ) ونحوه ضرورة ، وأما قبل حصول الداء الكي ( فاكرهن ) أي فاكرهن الكي بالنار  لنهي النبي  صلى الله عليه وسلم عنه في عدة أخبار ، وقال {   : ما أحب أن أكتوي    } كما في صحيح  البخاري  وغيره . 
وقوله ( فاكرهن ) فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الخفيفة ، والكي مفعول مقدم ، ( وعنه ) أي عن الإمام  أحمد  رضي الله عنه كراهة الكي ( على ) سبيل ( الإطلاق غير مقيد ) بحصول الأذى ، فعلى هذه الرواية يكره الكي مطلقا قبل حصول الأذى وبعده لما في الحديث عن النبي :  صلى الله عليه وسلم { من اكتوى أو استرقى فقد بريء من التوكل    } رواه الإمام  أحمد  وغيره . 
وأخرج الإمام  أحمد  وأبو داود   وابن ماجه  والترمذي  وصححه عن  عمران  رضي الله عنه : أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم { نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا    } . 
قال في الآداب الكبرى قال في المستوعب في موضع يكره الكي وقطع العروق على وجه التداوي  في إحدى الروايتين ، والأخرى لا يكره ، وفي الفروع وفي كراهة موت الفجأة روايتان ، والأخبار مختلفة ، وكذا الروايتان في حقنة لحاجة وقطع العروق وفصدها . 
وكذا الخلاف  [ ص: 26 ] في كي ورقية وتعويذة وتميمة  ، وعنه يكره قبل الألم فقط ، والحاصل : أن في المذهب في المسألة أقوالا . ثالثها : انتفاء الكراهة بعد حصول الداء ، وفي الصحيحين عن  جابر بن عبد الله  رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول {   : إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم ، أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي    } . 
وروى  ابن ماجه  والترمذي  وصححه عن  خباب  رضي الله عنه أنه قال : وقد اكتوى في بطنه سبع كيات : ما أعلم أحدا من أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت ، وكأنه قاله  رضي الله عنه تسلية للمؤمن المصاب لا على وجه الشكاية . 
قلت : وإذا علمت ثبوت النهي عن الكي وتحققت أنه نهي كراهة لظاهر الأخبار ، وفعل الصحابة الأخيار ، ظهر لك أن الكراهة تزول بنزول الضرر إذ القاعدة : زوالها بأدنى حاجة . فظهر أن المذهب عدم كراهة الكي للحاجة    . 
وفي صحيح  مسلم  عن  جابر  رضي الله عنه قال {   : بعث رسول الله  صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب  طبيبا فقطع منه عرقا ، ثم كواه    } . وعن  جابر  أيضا { أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم كوى  سعد بن معاذ  في أكحله مرتين    } رواه  ابن ماجه    . 
 ولمسلم    { رمي  سعد بن معاذ  في أكحله فحسمه النبي  صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ، ثم ورمت فحسمه الثانية    } . قوله فحسمه أي كواه { وكوى  صلى الله عليه وسلم سعد بن زرارة  من الشوكة    } رواه الترمذي  فهذا يدل على الإباحة من فعله  صلى الله عليه وسلم ويكره بلا حاجة للنهي والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					