ولما ذكر الناظم روح الله روحه العلم وحث على طلبه والعمل به وتعليم الناس والحرص عليهم وإرشادهم وتعليمهم ما لهم وعليهم ، وكان من لازم ذلك عادة في الغالب الفقر حث على الصبر عليه وعلى القناعة باليسير فقال : 
مطلب : في بيان فضيلة الصبر وأن الصبر على المصائب واجب    : وكن صابرا بالفقر وادرع الرضا بما قلب الرحمن واشكره تحمد   ( وكن ) أيها الأخ الصادق ، والحب الواثق ، والخل الموافق ، الدائب في تحصيل العلوم والمعارف ، الباذل وسعه لتقييد الدقائق واللطائف ، المحافظ على تخليد الرقائق والوظائف ( صابرا ) لتحظى بالمعية ، وعن ساق الجد حاسرا ذا فطنة ألمعية ، لتفوز بالأجر والفخر ، وتعد من أهل العزم والصبر . 
فقد قال تعالى في كتابه المبين { إن الله مع الصابرين     } والآيات في  [ ص: 523 ] ذلك كثيرة معروفة ، والهمم العالية لنيل تلك المرتبة ناهضة مصروفة . قال الإمام  أحمد  رضي الله عنه : الصبر في القرآن في تسعين موضعا . 
واعلم أن الصبر عند أرباب التصوف خلق فاضل من أخلاق النفس  ، يمنع من فعل ما لا يحسن ولا يجمل ، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها ، وقوام أمرها . وقال  سعيد بن جبير    : الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه . وقد يجزع الإنسان وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر . قال شيخ الإسلام ابن تيمية  قدس الله روحه : الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين . إنما اختلفوا في وجوب الرضا . انتهى . وقد قال  عليه الصلاة والسلام { إنما الصبر عند الصدمة الأولى    } رواه الشيخان . وفي لفظ { إنما الصبر عند أول صدمة    } . وقال  صلى الله عليه وسلم { الصبر ضياء    } رواه  مسلم  وأبو داود    . 
وفي الصحيحين عن  أبي سعيد   وأبي هريرة  رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال { ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه    } . 
الهم على المكروه المستقبل ، والحزن على الماضي ، والغم على النازل بك المتلبس أنت به . والهم يسهر ، والغم ينوم ، والنصب التعب ، والوصب المرض . 
قال الجنيد  رحمه الله ورضي عنه وقد سئل عن الصبر : هو تجرع المرارة من غير تعبس . 
وقال  الفضيل بن عياض  في  قوله تعالى { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار     } صبروا على ما أمروا به وعما نهوا عنه . فلهذه الأخبار وأضعاف أضعافها أمرك الناظم أن تكون صابرا متلبسا ( بالفقر ) ومصاحبا له . وهو بالفتح ويضم ضد الغنى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					