وأخرج الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة أو الرفعة والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب } وفي رواية عن البيهقي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بشر هذه الأمة بالتيسير بالسناء والدين ، والتمكين في البلاد والنصر ، فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب } .
وروى الطبراني ، في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { من تزين بعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعن في السموات والأرض } [ ص: 53 ] وروي في الكبير عن الجارود رضي الله عنه يرفعه { من طلب الدنيا بعمل الآخرة طمس وجهه ومحق ذكره ، وأثبت اسمه في النار } .
وأخرج الترمذي من رواية يحيى بن عبيد سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله عز وجل أبي تغترون ، أم علي تجترئون ، إني حلفت لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم حيران } ورواه الترمذي أيضا مختصرا منه حديث ابن عمر وقال حديث حسن .
وقال ابن المبارك رضي الله عنه : ما شيء أفضل من طلب العلم لله ، وما شيء أبغض إلى الله من طلب العلم لغير الله .
وأخرج الترمذي وقال حسن غريب عن ابن عمر مرفوعا { من تعلم علما لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار } .
وسئل الحسن ما عقوبة العالم ؟ قال موت القلب ، قيل وما موت القلب ؟ قال طلب الدنيا بعمل الآخرة .
وأما قول بعض المتأخرين :
خذ من علومي ولا تنظر إلى عملي واقصد بذلك وجه الواحد الباري وإن مررت بأشجار لها ثمر
فاجن الثمار وخل العود للنار
خذ من علومي وإن قصرت في عملي ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهمو هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمع صيرته لي سلما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما
وأما عدم الإخلاص فيه ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال ما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال كذبت ، ولكنك قاتلت حتى يقال جريء فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال كذبت ، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم ، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ ، فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال ما تركت [ ص: 55 ] من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال كذبت ، ولكنك فعلت ليقال هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار } ولما بلغ معاوية رضي الله عنه هذا الحديث بكى حتى غشي عليه ، فلما أفاق قال صدق الله ورسوله . قال الله عز وجل { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } .
وخرج الترمذي عن كعب بن مالك رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من طلب العلم ليماري به السفهاء ، أو يجاري به العلماء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار } وخرجه ابن ماجه بمعناه من حديث ابن عمر وحذيفة وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ حديث جابر { لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ، ولا تخيروا به المجالس ، فمن فعل ذلك فالنار النار }
. وروى الطبراني بإسناد لا بأس به عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله } ولو لم يكن في الرياء إلا تسميته بالشرك لكفى . والله تعالى أعلم .


