، والعربد حية عظيمة تأكل الحيات وروى  الحاكم  وصححه عن أبي  [ ص: 56 ] اليسر    { أن النبي  صلى الله عليه وسلم كان يدعو : اللهم إني أعوذ بك من الهدم والتردي وأعوذ بك من الهرم ، والغرق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك من أن أموت لديغا    } . قال  الجاحظ    : وتأويل هذا عند العلماء أنه لا يتفق للإنسان أن يكون موته بأكل هذا العدو إلا وهو من أعداء الله ، بل من أشدهم عداوة ، فكان  صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه لذلك ، وهذا ليس على إطلاقه كما لا يخفى . 
وقد أمر  صلى الله عليه وسلم بقتل الحية  في عدة أخبار ، وأمره في ذلك للندب روى  البخاري   ومسلم   والنسائي  عن  ابن مسعود  رضي الله عنه قال {   : كنا مع النبي  صلى الله عليه وسلم في غار بمنى  ، وقد نزلت عليه { ، والمرسلات عرفا     } فنحن نأخذها من فيه رطبة إذ خرجت علينا حية فقال : اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : وقاها الله شركم كما وقاكم شرها    } . 
وعداوة الحية للإنسان  معلومة ومعروفة . وفي التنزيل { اهبطوا بعضكم لبعض عدو     } قال الجمهور : الخطاب لآدم  وحواء  وإبليس ، والحية . 
وروى  قتادة  عن النبي  صلى الله عليه وسلم { أنه قال : ما سالمناهن منذ عاديناهن    } . 
وقصة ابن حمير  مشهورة ، وقال  ابن عمر    : من تركهن فليس منا ، وقالت عائشة  رضي الله عنها : من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله ، والملائكة والناس أجمعين . وفي مسند الإمام  أحمد  عن  ابن مسعود  رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال { من قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا ، ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا    } ( و ) يحسن قتل ( شبه ) أي مثل ( المعدد ) من أنواع الحشرات فكل ما شابه ذلك يقتل في الحل ، والحرم من الحلال ، والمحرم كالوزغة بالتحريك ، وهي سام أبرص . قال في حياة الحيوان : اتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات ، وجمع الوزغة وزغ وأوزاغ ووزغات . روى  البخاري   ومسلم  وغيرهما عن  أم شريك  رضي الله عنها { أنها استأمرت النبي  صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغات  فأمرها بذلك    }  [ ص: 57 ] 
مطلب : في قوله  صلى الله عليه وسلم من قتل وزغة من ضربة فله كذا ، وكذا حسنة . 
وفي الصحيحين أن النبي  صلى الله عليه وسلم { أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا ، وقال كان ينفخ النار على إبراهيم     } ، وكذلك رواه الإمام  أحمد  في المسند وفي الحديث الصحيح عن  أبي هريرة  رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل وزغة من أول ضربة فله كذا ، وكذا حسنة ، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى    } . وفيه أيضا { من قتلها في الضربة الأولى فله مائة حسنة ، ومن قتلها في الضربة الثانية فله دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك    } . 
وروى  الطبراني  عن  ابن عباس  رضي الله عنهما مرفوعا { اقتلوا الوزغ ، ولو في جوف الكعبة     } لكن في إسناده عمر بن قيس المكي  ضعيف 
. وفي سنن  ابن ماجه  عن  عائشة  رضي الله عنها { أنه كان في بيتها رمح موضوع فقيل لها : ما تصنعين بهذا فقالت : نقتل به الوزغ ، فإن النبي  صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم  عليه السلام لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار غير الوزغ ، فإنها كانت تنفخ عليه فأمر  صلى الله عليه وسلم بقتلها    } ، وكذلك رواه الإمام  أحمد  في المسند . 
وفي تاريخ ابن النجار  عن  عائشة  رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول : { من قتل وزغة محا الله عنه سبع خطيئات    } . وفي الكامل عن  ابن عباس  مرفوعا { من قتل وزغة فكأنما قتل شيطانا    } . وقد سمى رسول الله  صلى الله عليه وسلم الوزغ فويسقا كالفواسق الخمس ، وتقدم أن أصل الفسق الخروج عن حيز الاعتدال ، وهذه المذكورات خرجت عن خلق معظم الحشرات بزيادة الضرر ، والأذى وتقييد الحسنات بأن في الضربة الأولى مائة حسنة وفي الثانية سبعين مخرج على حد قوله  صلى الله عليه وسلم { سبع وعشرون وخمس وعشرون    } من أن مفهوم العدد لا يعمل به ، فذكر السبعين لا يمنع المائة أو لعله أخبر بالسبعين ، ثم تصدق الله بالزيادة فأخبر بها ، أو يختلف باختلاف القاتل من حيث إخلاص النية وكثرة الحسنات في المبادرة أن تكون الضربات في القتل تدل على عدم الاهتمام بأمر صاحب الشرع ، إذ لو قوي عزمه واشتدت حميته لقتلها في المرة الأولى ، فعدم قتلها في المرة الأولى دل على ضعف عزمه فلذلك  [ ص: 58 ] نقص أجره عن المائة إلى السبعين . 
وعلل ابن عبد السلام  كثرة الحسنات في الأولى بأنه إحسان في القتل فدخل في قوله :  عليه الصلاة والسلام { إذا قتلتم فأحسنوا القتلة    } ، أو لأنه مبادرة إلى الخير فدخل تحت  قوله تعالى { فاستبقوا الخيرات     } قال : وعلى كلا المعنيين فالحية ، والعقرب أولى بذلك لعظم مفسدتهما . 
وروى الإمام  أحمد  أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال {   : من قتل حية فله سبع حسنات ، ومن قتل وزغا فله حسنة ، ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا    } . 
( فائدة ) : ذكر أصحاب الآثار أن الوزغ أصم . قالوا والسبب في صممه ما تقدم من نفخه النار فصم بذلك وبرص ، ومن طبعه أنه لا يدخل بيتا فيه رائحة الزعفران ويألف الحيات كما تألف العقارب الخنافس . 
				
						
						
