[ ص: 59 ] مطلب : في كراهة إحراق الحيوان بالنار  عند عدم الضرورة . 
والمعتمد أن ذلك مكروه مع عدم الأذى ، وأما إذا حصل من النمل أذى فيباح قتله نص عليه . وقال  إبراهيم الحربي    : إذا آذاك النمل فاقتله ورأى  أبو العالية  نملا على بساط فقتلهن . 
وعن  طاووس  إنا لنغرق النمل بالماء يعني إذا آذتنا ( واكرهن ) فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الخفيفة أي اكره أيها المتشرع ( بالنار إحراق مفسد ) فالجار ، والمجرور متعلق بإحراق أي اكره إحراق مفسد بالنار لنهي النبي المختار عن تعذيب الحيوان بالنار . فيكره حرق كل ذي روح من المؤذيات كالنمل ، والقمل ، والبراغيث ، والبق ونحو ذلك لقوله  عليه الصلاة والسلام { إن النار لا يعذب بها إلا الله    } رواه  البخاري    . 
وفي حديث  ابن مسعود  رضي الله عنه { رأى رسول الله  صلى الله عليه وسلم قرية نمل قد حرقناها فقال : من حرق هذه قلنا : نحن قال : إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار    } رواه أبو داود  بإسناد صحيح ، وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية  قدس الله روحه : هل يجوز إحراق بيوت النمل  ؟ فقال : يدفع ضرره بغير الحريق انتهى . وظاهر هذه الأخبار التحريم ، وقطع به النووي  من الشافعية ; ولذا قال الناظم  رحمه الله تعالى : ولو قيل بالتحريم ثم أجيز مع أذى لم يزل إلا به لم أبعد   ( ولو قيل بالتحريم ) أي تحريم إحراق المفسد بالنار ( ثم أجيز ) أي ، ثم قيل بالجواز ( مع ) حصول ( أذى ) منه و ( لم يزل ) الأذى الحاصل من النمل ( إلا به ) أي بالتحريق ( لم أبعد ) أنا ذلك ، بل أراه قريبا للصواب موافقا للسنة ، والكتاب هذا على رأيه - رحمه الله ورضي عنه - والحاصل أن عند الناظم  على القول بالتحريم تزول الحرمة إذا لم يزل الضرر الحاصل منه دون مشقة غالبة إلا بالنار . 
قال في الآداب الكبرى : وميل صاحب النظم إلى تحريم إحراق كل ذي روح بالنار  ، وأنه يجوز إحراق ما يؤذي بلا كراهة إذا لم يزل ضرره دون مشقة غالبة إلا بالنار ، واستدل بقصة النبي الذي أحرق قرية النمل ، فهذا ترجح عنده وكأنه اجتهاد منه ، وقال : إنه سأل عما ترجح عنده الشيخ شمس الدين  صاحب الشرح فقال : ما هو ببعيد انتهى . قال الحجاوي    :  [ ص: 60 ] ويتخرج من هذا جواز إحراق الزنابير  إذا حل بها ضرر شديد ولم يندفع إلا به انتهى . 
واعلم أن المنفرد به الناظم  رحمه الله اختيار الحرمة ، ثم زوالها للحاجة بلا كراهة ، والمذهب أن إحراق نحو النمل مكروه لا حرام وحيث علمت أنه مكروه علمت زوال الكراهة للحاجة والله تعالى أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					