مطلب : يسن تحنيك العمامة .
( السادس ) : قد علمت أن التحنك مسنون ، وهو التلحي قال الشمس الشامي : التلحي سنة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح .
وقال [ ص: 250 ] الإمام ابن مفلح في آدابه الكبرى : مقتضى كلامه في الرعاية استحباب الذؤابة لكل أحد كالتحنك .
قال الحجاوي : يعني يجمع بين التحنك والذؤابة انتهى .
وقال الشيخ في الفتاوى المصرية : أن تكون محنكة تحت الذقن ، فإن كانت بذؤابة بلا حنك ففيها وجهان . العمامة الشرعية
وكذلك إن كانت لا ذؤابة لها ولا حنك ففيها قول في مذهب أنه يمسح عليها وهو مذهب أحمد . إسحاق بن راهويه
قال تشبه المحنكة من بعض الوجوه فإن الكلاليب يمسكها كما يمسك الحنك للعمامة ، وكان الصحابة يتحنكون العمائم ، فإذا ركبوا الخيل ، وطردوها لم تسقط عمائمهم . والعمائم المكلبة بالكلاب
وكذلك كان أهل الثغور بالشام يفعلون ذلك .
وكره مالك وغيرهما من الأئمة وأحمد ، وهي التي لا يكون لها ما يمسكها تحت الذقن . لبس العمائم المتقطعة
وكان رضي الله عنه يقول : لا ينظر الله لقوم لا يديرون عمائمهم تحت أذقانهم ، وكانوا يسمونها الفاسقية . عمر بن الخطاب
ولكن رخص فيها وغيره . إسحاق بن راهويه
وروى أن أبناء المهاجرين كانوا يعتمون كذلك .
قال شيخ الإسلام : وقد يجمع بينهما بأن هذا حال أهل الجهاد المستعدين له ، وهذا حال من لبس من أهله .
قال : وإمساكها بالسيور ونحوها كالمحنكة انتهى .
ومقتضى ذكر الإمام ما جاء عن أحمد يقتضي اختصاص ذلك بالعالم ، فإن فعلها غيره فيتوجه دخولها في لباس الشهرة ، ولا اعتبار بعرف حادث ، بل بعرف قديم . ابن عمر
وعلى هذا لا خلاف في استحباب العمامة المحنكة وكراهة الصماء . انتهى .
وقد قال الإمام رضي الله عنه أدركت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعين محنكا وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أمينا . مالك
وفي لفظ لو استسقي بهم القطر لسقوا .
قال عبد الله بن الحاج أحد أئمة المالكية في كتابه المدخل بعد نقله كلام [ ص: 251 ] أئمة اللغة في معنى الاقتعاط يعني المنهي عنه في الحديث ، وأنه من لبسة الشيطان عن القاضي أبي الوليد قال : إنما كره ذلك لمخالفته فعل مالك السلف الصالح .
وقال . أبو بكر الطرطوشي
اقتعاط العمائم هو التعميم دون حنك ، وهو بدعة منكرة ، وقد شاعت في بلاد الإسلام .
ونظر يوما إلى رجل اعتم ولم يحتنك فقال : اقتعاط كاقتعاط الشيطان ، تلك عمة الشيطان وعمائم قوم مجاهد لوط .
وفي المختصر روى عن ابن وهب أنه سأل عن العمامة يعتمها الرجل ، ولا يجعلها تحت حلقه ، فأنكرها ، وقال : إنها من عمل القبط . مالك
قيل له : فإن صلى بها كذلك ؟ قال : لا بأس وليست من عمل الناس .
وقال أشهب : كان رحمه الله تعالى إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه وأسدل طرفها بين كتفيه . مالك
مطلب : صفة العمامة المسنونة .
وقال الحافظ : وسنة العمامة بعد فعلها أن يرخي طرفها ويتحنك به ، فإن كان بغير طرف ولا تحنيك فذلك يكره عند العلماء ، والأولى أن يدخلها تحت حنكه فإنها تقي العنق الحر والبرد وهو أثبت لها عند ركوب الخيل والإبل والكر والفر . عبد الحق الإشبيلي
قلت : وقال هذا علماؤنا .
وقال في الهدي : { كان صلى الله عليه وسلم يتحلى بالعمامة تحت الحنك } انتهى .
وقد أطنب ابن الحاج في المدخل لاستحباب التحنك ثم قال : وإذا كانت العمامة من باب المباح فلا بد فيها من فعل سنن تتعلق بها من تناولها باليمين ، والتسمية والذكر الوارد إن كان مما يلبس جديدا ، وامتثال السنة في صفة التعميم من فعل التحنيك والعذبة وتصغير العمامة بقدر سبعة أذرع أو نحوهما يخرجون منها التحنيك والعذبة فإن زاد في العمامة قليلا لأجل حر أو برد فيتسامح فيه إلى آخر ما ذكر رحمه الله .
وفي فتاوى ابن عبد السلام النهي عن الاقتعاط محمول على الكراهة لا على التحريم .
[ ص: 252 ] وقال القرافي في قولهم : ما أفتى حتى أجازه سبعون محنكا ، ذلك دليل على أن العذبة دون تحنيك يخرج منها عن المكروه ; لأن وصفهم بالتحنيك دليل على أنهم قد امتازوا به دون غيرهم ، وإلا فما كان لوصفهم بالتحنيك فائدة ; إذ الكل مجتمعون فيه . مالك
وقد نص الشمس الشامي عن بعض ساداته إنما المكروه في العمامة التي ليست بهما فإن كانا معا فهو الكمال في امتثال الأمر ، وإن كان أحدهما فقد خرج به عن المكروه .
قلت : وهذا ظاهر ما استقر عليه كلام أصحابنا في اعتبار كون العمامة محنكة أو ذات ذؤابة ، واجتماع الشيئين أكمل كما قدمنا ، والله أعلم . .