مطلب : في بيان الفرق بين الشح والبخل : وقال الإمام المحقق في كتابه الكلم الطيب والعمل الصالح في الكلام على السخاء والشح :
nindex.php?page=treesubj&link=18896الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه ، والاستقصاء في تحصيله ، وجشع النفس عليه .
والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه ، فهو شحيح قبل حصوله ، بخيل بعد حصوله . فالبخل ثمرة الشح ، والشح يدعو إلى البخل ، والشح كامن في النفس ، فمن بخل فقد أطاع شحه ، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقي شره وذلك هو المفلح {
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } والسخي قريب من الله ومن خلقه ومن أهله ، وقريب من الجنة وبعيد من النار . والبخيل بعيد من الله بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار . فجود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله يبغضه إلى أولاده ، وأنشد :
ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعا سخاؤه تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه
قال : وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة ، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة . وليس كما قال بعض من نقص علمه : حد الجود
[ ص: 428 ] بذل الموجود ، ولو كان كما قال لارتفع اسم السرف والتبذير ، وقد ورد الكتاب بذمهما وجاءت السنة بالنهي عنهما . قال : وإذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حده سمي كريما وكان للحمد مستوجبا ، ومن قصر عنه كان بخيلا وللذم مستوجبا .
قال وسمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : {
إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أتدري لم اتخذتك خليلا ؟ قال لا ، قال : لأني رأيت العطاء أحب إليك من الأخذ } . قال وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله ، فإنه يعطي ولا يأخذ ، ويطعم ولا يطعم ، وهو أجود الأجودين ، وأكرم الأكرمين ، وأحب الخلق إليه من اتصف بصفاته ، فإنه كريم يحب الكريم من عباده ، وعالم يحب العلماء ، وقادر يحب الشجعان ، وجميل يحب الجمال ، انتهى . .
مَطْلَبٌ : فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ : وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي كِتَابِهِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّخَاءِ وَالشُّحِّ :
nindex.php?page=treesubj&link=18896الْفَرْقُ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ أَنَّ الشُّحَّ هُوَ شِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ وَالْإِحْفَاءُ فِي طَلَبِهِ ، وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي تَحْصِيلِهِ ، وَجَشَعُ النَّفْسِ عَلَيْهِ .
وَالْبُخْلُ مَنْعُ إنْفَاقِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ وَحُبِّهِ وَإِمْسَاكِهِ ، فَهُوَ شَحِيحٌ قَبْلَ حُصُولِهِ ، بَخِيلٌ بَعْدَ حُصُولِهِ . فَالْبُخْلُ ثَمَرَةُ الشُّحِّ ، وَالشُّحُّ يَدْعُو إلَى الْبُخْلِ ، وَالشُّحُّ كَامِنٌ فِي النَّفْسِ ، فَمَنْ بَخِلَ فَقَدْ أَطَاعَ شُحَّهُ ، وَمَنْ لَمْ يَبْخَلْ فَقَدْ عَصَى شُحَّهُ وَوُقِيَ شَرَّهُ وَذَلِكَ هُوَ الْمُفْلِحُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } وَالسَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ أَهْلِهِ ، وَقَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ وَبَعِيدٌ مِنْ النَّارِ . وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنْ خَلْقِهِ بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ . فَجُودُ الرَّجُلِ يُحَبِّبُهُ إلَى أَضْدَادِهِ ، وَبُخْلُهُ يُبَغِّضُهُ إلَى أَوْلَادِهِ ، وَأَنْشَدَ :
وَيُظْهِرُ عَيْبَ الْمَرْءِ فِي النَّاسِ بُخْلُهُ وَيَسْتُرُهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا سَخَاؤُهُ تَغَطَّ بِأَثْوَابِ السَّخَاءِ فَإِنَّنِي
أَرَى كُلَّ عَيْبٍ وَالسَّخَاءُ غِطَاؤُهُ
قَالَ : وَحَدُّ السَّخَاءِ بَذْلُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَأَنْ يُوصِلَ ذَلِكَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ . وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَعْضُ مَنْ نَقَصَ عِلْمُهُ : حَدُّ الْجُودِ
[ ص: 428 ] بَذْلُ الْمَوْجُودِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَارْتَفَعَ اسْمُ السَّرَفِ وَالتَّبْذِيرِ ، وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ بِذَمِّهِمَا وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا . قَالَ : وَإِذَا كَانَ السَّخَاءُ مَحْمُودًا فَمَنْ وَقَفَ عَلَى حَدِّهِ سُمِّيَ كَرِيمًا وَكَانَ لِلْحَمْدِ مُسْتَوْجِبًا ، وَمَنْ قَصَّرَ عَنْهُ كَانَ بَخِيلًا وَلِلذَّمِّ مُسْتَوْجِبًا .
قَالَ وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ
ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ : {
إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيمَ أَتَدْرِي لَمْ اتَّخَذْتُك خَلِيلًا ؟ قَالَ لَا ، قَالَ : لِأَنِّي رَأَيْت الْعَطَاءَ أَحَبُّ إلَيْك مِنْ الْأَخْذِ } . قَالَ وَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ ، فَإِنَّهُ يُعْطِي وَلَا يَأْخُذُ ، وَيُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ، وَهُوَ أَجْوَدُ الْأَجْوَدِينَ ، وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَيْهِ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَاتِهِ ، فَإِنَّهُ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرِيمَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَعَالِمٌ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ ، وَقَادِرٌ يُحِبُّ الشُّجْعَانَ ، وَجَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، انْتَهَى . .