مطلب :
nindex.php?page=treesubj&link=19574الذل في نيل النفوس ما تشتهيه .
( وفي نيلها ) أي النفوس ( ما ) أي الذي ( تشتهي ) أي تشتهيه وتطلبه وتهواه من المحرمات ونحوها ( ذل سرمد ) أي طويل مستمر . قال في القاموس : السرمد الدائم والطويل من الليالي ، وذلك لأنه يدعو لما فيه غضب الله ورسوله ورضا الشيطان وجنوده ، فقد أغلق على نفسه باتباع هواه أبواب التوفيق وفتح عليه أبواب الخذلان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض رحمه الله ورضي عنه : من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق .
وقال بعض العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=18770_20366الكفر في أربعة أشياء : في الغضب ، والشهوة ، والرغبة ، والرهبة ، ثم قال : رأيت منهن اثنتين رجلا غضب فقتل أمه ، ورجلا عشق فتنصر .
وكان بعض
السلف يطوف بالبيت فنظر إلى امرأة جميلة فمشى إلى جانبها ثم قال :
أهوى هوى الدين واللذات تعجبني فكيف لي بهوى اللذات والدين
؟ فقالت له المرأة : دع أحدهما تنل الآخر .
وفي روضة المحبين للإمام
ابن القيم : لكل عبد بداية ونهاية ، فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع
[ ص: 459 ] بحسب ما اتبع من هواه ، بل يصير له ذلك في نهايته عذابا يعذب به في قلبه كما قيل :
مآرب كانت في الشباب لأهلها عذابا فصارت في المشيب عذابا
فلو تأملت حال كل ذي حال شينة زرية لرأيت بدايته الذهاب مع هواه وإيثاره على عقله . ومن كانت بدايته مخالفة هواه وطاعة داعي رشده كانت نهايته العز والشرف والغنى والجاه عند الله وعند الناس .
وقال
أبو علي الدقاق : من ملك شهوته في حال شبيبته أعزه الله في حال كهوليته . وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=15350للمهلب بن أبي صفرة : بم نلت ما نلت ؟ قال : بطاعة الحزم وعصيان الهوى . فهذا في بداية الدنيا ونهايتها ، وأما الآخرة فقد جعل الله سبحانه وتعالى الجنة نهاية من نهى نفسه عن هواه ، والنار نهاية من اتبع هواه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي : رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري في المنام فقلت ما فعل الله بك ؟ قال لم يكن إلا أن وضعت في لحدي حتى وقفت بين يدي الله تعالى فحاسبني حسابا يسيرا ثم أمر بي إلى الجنة ، فبينما أنا أدور بين أشجارها وأنهارها لا أسمع حسا ولا حركة إذ سمعت قائلا يقول
سفيان بن سعيد ، فقال : تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوما ؟ قلت : إي والله ، فأخذني النثار من كل جانب .
وعلى كل حال مخالفة الهوى توجب شرف الدين وشرف الآخرة وعز الظاهر وعز الباطن ، ومتابعته تضع العبد في الدنيا والآخرة ، وتذله في الباطن والظاهر .
وذكر شيخ مشايخنا بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=16946محمد بن حماد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير :
إذا المرء أعطى نفسه كلما اشتهت ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
وساقت إليه الإثم والعار للذي دعته إليه من حلاوة عاجل
nindex.php?page=showalam&ids=11815ولأبي إسحاق الشيرازي في مثل ذلك :
[ ص: 460 ] إذا حدثتك النفس يوما بشهوة وكان عليها للخلاف طريق
فخالف هواها ما استطعت فإنما هواها عدو والخلاف صديق
{
وإذا جمع الله الناس في صعيد واحد نادى مناد ليعلمن أهل الجمع من أهل الكرم اليوم ألا ليقم المتقون ، فيقومون إلى محل الكرامة وأما المتبعون لهواهم ناكسو رءوسهم في الموقف في حر الهوى وعرقه وألمه وحرقه ، وأولئك في ظل عرش الرحمن لا حر ولا ذل ولا هوان } . فإذا علمت هذا .
مَطْلَبٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=19574الذُّلُّ فِي نَيْلِ النُّفُوسِ مَا تَشْتَهِيه .
( وَفِي نَيْلِهَا ) أَيْ النُّفُوسِ ( مَا ) أَيْ الَّذِي ( تَشْتَهِي ) أَيْ تَشْتَهِيه وَتَطْلُبُهُ وَتَهْوَاهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَنَحْوِهَا ( ذُلٌّ سَرْمَدُ ) أَيْ طَوِيلٌ مُسْتَمِرٌّ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ : السَّرْمَدُ الدَّائِمُ وَالطَّوِيلُ مِنْ اللَّيَالِي ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِمَا فِيهِ غَضَبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَرِضَا الشَّيْطَانِ وَجُنُودِهِ ، فَقَدْ أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِاتِّبَاعِ هَوَاهُ أَبْوَابَ التَّوْفِيقِ وَفَتَحَ عَلَيْهِ أَبْوَابَ الْخِذْلَانِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ : مَنْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الْهَوَى وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ مَوَادُّ التَّوْفِيقِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ :
nindex.php?page=treesubj&link=18770_20366الْكُفْرُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : فِي الْغَضَبِ ، وَالشَّهْوَةِ ، وَالرَّغْبَةِ ، وَالرَّهْبَةِ ، ثُمَّ قَالَ : رَأَيْت مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ رَجُلًا غَضِبَ فَقَتَلَ أُمَّهُ ، وَرَجُلًا عَشِقَ فَتَنَصَّرَ .
وَكَانَ بَعْضُ
السَّلَفِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَنَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ فَمَشَى إلَى جَانِبِهَا ثُمَّ قَالَ :
أَهْوَى هَوَى الدِّينِ وَاللَّذَّاتُ تُعْجِبُنِي فَكَيْفَ لِي بِهَوَى اللَّذَّاتِ وَالدِّينِ
؟ فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ : دَعْ أَحَدَهُمَا تَنَلْ الْآخَرَ .
وَفِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ لِلْإِمَامِ
ابْنِ الْقَيِّمِ : لِكُلِّ عَبْدٍ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ بِدَايَتُهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى كَانَتْ نِهَايَتُهُ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْحِرْمَانُ وَالْبَلَاءُ الْمَتْبُوعُ
[ ص: 459 ] بِحَسَبِ مَا اتَّبَعَ مِنْ هَوَاهُ ، بَلْ يَصِيرُ لَهُ ذَلِكَ فِي نِهَايَتِهِ عَذَابًا يُعَذَّبُ بِهِ فِي قَلْبِهِ كَمَا قِيلَ :
مَآرِبُ كَانَتْ فِي الشَّبَابِ لِأَهْلِهَا عِذَابًا فَصَارَتْ فِي الْمَشِيبِ عَذَابَا
فَلَوْ تَأَمَّلْت حَالَ كُلِّ ذِي حَالٍ شِينَةٍ زَرِيَّةٍ لَرَأَيْت بِدَايَتَهُ الذَّهَابُ مَعَ هَوَاهُ وَإِيثَارُهُ عَلَى عَقْلِهِ . وَمَنْ كَانَتْ بِدَايَتُهُ مُخَالَفَةَ هَوَاهُ وَطَاعَةُ دَاعِي رُشْدِهِ كَانَتْ نِهَايَتُهُ الْعِزَّ وَالشَّرَفَ وَالْغِنَى وَالْجَاهَ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ النَّاسِ .
وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ : مَنْ مَلَكَ شَهْوَتَهُ فِي حَالِ شَبِيبَتِهِ أَعَزَّهُ اللَّهُ فِي حَالِ كُهُولِيَّتِهِ . وَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15350لِلْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ : بِمَ نِلْت مَا نِلْت ؟ قَالَ : بِطَاعَةِ الْحَزْمِ وَعِصْيَانِ الْهَوَى . فَهَذَا فِي بِدَايَةِ الدُّنْيَا وَنِهَايَتِهَا ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ نِهَايَةَ مَنْ نَهَى نَفْسَهُ عَنْ هَوَاهُ ، وَالنَّارَ نِهَايَةَ مَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16349عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : رَأَيْت
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي الْمَنَامِ فَقُلْت مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك ؟ قَالَ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ وُضِعْتُ فِي لَحْدِي حَتَّى وَقَفْت بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى فَحَاسَبَنِي حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ أَمَرَ بِي إلَى الْجَنَّةِ ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَدُورُ بَيْنَ أَشْجَارِهَا وَأَنْهَارِهَا لَا أَسْمَعُ حِسًّا وَلَا حَرَكَةً إذْ سَمِعْت قَائِلًا يَقُولُ
سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، فَقَالَ : تَحْفَظُ أَنَّك آثَرْت اللَّهَ عَلَى هَوَاك يَوْمًا ؟ قُلْت : إي وَاَللَّهِ ، فَأَخَذَنِي النِّثَارُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ مُخَالَفَةُ الْهَوَى تُوجِبُ شَرَفَ الدِّينِ وَشَرَفَ الْآخِرَةِ وَعِزَّ الظَّاهِرِ وَعِزَّ الْبَاطِنِ ، وَمُتَابَعَتُهُ تَضَعُ الْعَبْدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَتُذِلُّهُ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ .
وَذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا بِسَنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16946مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15الزُّبَيْرِ :
إذَا الْمَرْءُ أَعْطَى نَفْسَهُ كُلَّمَا اشْتَهَتْ وَلَمْ يَنْهَهَا تَاقَتْ إلَى كُلِّ بَاطِلِ
وَسَاقَتْ إلَيْهِ الْإِثْمَ وَالْعَارَ لِلَّذِي دَعَتْهُ إلَيْهِ مِنْ حَلَاوَةِ عَاجِلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11815وَلِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ :
[ ص: 460 ] إذَا حَدَّثَتْك النَّفْسُ يَوْمًا بِشَهْوَةٍ وَكَانَ عَلَيْهَا لِلْخِلَافِ طَرِيقُ
فَخَالِفْ هَوَاهَا مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّمَا هَوَاهَا عَدُوٌّ وَالْخِلَافُ صَدِيقُ
{
وَإِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ نَادَى مُنَادٍ لَيَعْلَمَنَّ أَهْلُ الْجَمْعِ مِنْ أَهْلِ الْكَرَمِ الْيَوْمَ أَلَا لِيَقُمْ الْمُتَّقُونَ ، فَيَقُومُونَ إلَى مَحَلِّ الْكَرَامَةِ وَأَمَّا الْمُتَّبِعُونَ لِهَوَاهُمْ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ فِي حَرِّ الْهَوَى وَعَرَقِهِ وَأَلَمِهِ وَحَرْقِهِ ، وَأُولَئِكَ فِي ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ لَا حَرَّ وَلَا ذُلَّ وَلَا هَوَانَ } . فَإِذًا عَلِمْت هَذَا .