وقد مدح سبحانه وتعالى المستيقظين بالليل لذكره ودعائه واستغفاره ومناجاته بقوله : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون     } وقال تعالى { والمستغفرين بالأسحار     } . وقال تعالى { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما     } . ونفى سبحانه التسوية بين المتهجدين وبين غيرهم في قوله { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو  [ ص: 499 ] رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولو الألباب     } . 
وقالت  عائشة  رضي الله عنها لرجل : { لا تدع قيام الليل فإن رسول الله  صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه ، وكان إذا مرض أو قالت كسل صلى قاعدا    } . وفي رواية عنها  رضي الله عنها { قالت : بلغني عن قوم يقولون إن أدينا الفرائض لم نبال أن لا نزداد ، ولعمري لا يسألهم الله إلا عما افترض عليهم ولكنهم قوم يخطئون بالليل والنهار ، وما أنتم إلا من نبيكم ، وما نبيكم إلا منكم ، والله ما ترك رسول الله  صلى الله عليه وسلم قيام الليل . ونزعت كل آية فيها قيام الليل    } . فأشارت  عائشة  رضي الله تعالى عنها إلى أن قيام الليل فيه فائدتان عظيمتان   : الاقتداء بسنة ينبوع الهدى ، والتأسي بالشفيع غدا ، ومعدن الاهتداء . وقال تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة     } وتكفير الذنوب والخطايا ، من منفس الكروب ومانح العطايا . فإن بني آدم  يخطئون بالليل والنهار ، فيحتاجون إلى الاستكثار من مكفرات الأوزار . 
وقيام الليل من أعظم المكفرات ، كما قال سيد السادات ومعدن السعادات ، لحامل لواء الفقهاء إلى الجنة سيدنا  معاذ بن جبل  رضي الله عنه { قيام العبد في جوف الليل يكفر الخطيئة ثم تلا { تتجافى جنوبهم     } الآية    } رواه الإمام  أحمد  رضي الله عنه وغيره . 
وقد روي أن المتهجدين يدخلون الجنة بغير حساب . 
روي عن  شهر بن حوشب  رحمه الله عن  أسماء بنت يزيد  رضي الله تعالى عنها عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال { إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق : سيعلم الخلائق اليوم من أولى بالكرم ، ثم يرجع فينادي : أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ؟ فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء ، فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، فيقومون وهم قليل ، ثم يحاسب سائر الناس    } خرجه  ابن أبي الدنيا   والبيهقي    . ويروى نحوه عن  شهر بن حوشب  عن  ابن عباس  رضي الله عنهما من قوله . ويروى أيضا نحوه من حديث  [ ص: 500 ]  أبي إسحاق  عن عبد الله بن عطاء  عن  عقبة بن عامر  من قوله ومرفوعا أيضا . ويروى نحوه أيضا عن  عبادة بن الصامت  رضي الله عنه وربيعة الجرشي  والحسن  وكعب  رحمهم الله تعالى . 
قال بعض السلف    : قيام الليل يهون طول قيام يوم القيامة ، وإذا كان أهله يسبقون إلى الجنة بغير حساب فقد استراح أهله من طول الموقف والحساب . 
وفي حديث المنام المشهور الذي أخرجه الإمام  أحمد  والترمذي    { أن الملأ الأعلى يختصمون في الدرجات والكفارات . وفيه أن الدرجات إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام    } . فثبت بهذا أن قيام الليل كما أنه تكفير للسيئات فهو يرفع الدرجات أيضا . 
وتقدم حديث { إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها    } وأنها لأهل هذه الخصال الثلاثة . فقد ارتفعت درجات قوام الليل به . 
قال الإمام الحافظ ابن رجب  في كتابه اختيار الأولى ، في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى : الصلاة بالليل من موجبات الجنة ، وقد دل عليه قوله عز وجل { إن المتقين في جنات وعيون . آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين . كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون     } الآيات . فوصفهم بالتيقظ بالليل والاستغفار بالأسحار . قال : وكان بعض السلف  نائما فأتاه آت في منامه فقال له قم فصل أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل هم خزانها هم خزانها . 
				
						
						
