الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : من أذهب طيباته في حياته واستمتع بها نقصت درجاته .

( الثالث ) : قال علماؤنا منهم صاحب الإقناع في إقناعه ، والغاية وغيرهما : ومن أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها نقصت درجاته في الآخرة .

ودليل هذا ما روى البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لقيني عمر بن الخطاب ، وقد ابتعت لحما بدرهم فقال : ما هذا يا جابر ؟ [ ص: 118 ] فقال : قلت قرم أهلي فابتعت لهم لحما بدرهم فجعل عمر يردد قرم أهلي حتى تمنيت أن الدرهم سقط مني ولم ألق عمر قوله قرم أهلي أي اشتدت شهوتهم اللحم .

وروى مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ومعه حامل لحم فقال عمر : " أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمه فأين تذهب عنكم هذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } .

قال البيهقي وروي عن عبد الله بن دينار مرسلا وموصولا قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب : قال الحليمي رحمه الله هذا الوعيد من الله تعالى ، وإن كان للكفار الذي يقدمون على الطيبات المحظورة ولذلك قال : { فاليوم تجزون عذاب الهون } .

فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة ; لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات أي يقع وينشب ولا يتخلص منها ، والملاذ كلما أجاب نفسه إلى واحد منها دعته إلى غيرها فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط وينسد باب العبادة دونه ، فإذا آل به الأمر إلى هذا لم يبعد أن يقال له : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون } فلا ينبغي أن تعود النفس بما تميل به إلى الشره ، ثم يصعب تداركها ، ولترض من أول الأمر على السداد ، فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ، ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح والله أعلم .

وقال الإمام العلامة ابن مفلح في آدابه في قوله تعالى { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } : أي من الشكر عن النعيم فيطالب العبد ، فإذا شكر الله على النعيم ، فإن الله تعالى لا يعاقب على ما أباح ، وإنما يعاقب على ترك مأمور وفعل محذور .

قال تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية ، فأما السؤال عن النعيم فقيل مختص بالكفار ويعذبون على ترك الشكر وقيل عام وتقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقول النبي صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده إن هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة } ثم قوله { إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا بسم الله ، فإذا [ ص: 119 ] شبعتم فقولوا الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا فأفضل ، فإن هذا كفاف بهذا } .

قال ابن مفلح : ثم النعيم هل هو عام ، أو خاص قولان : الظاهر العموم قال الإمام ابن الجوزي : هو الصحيح فالكافر يسأل توبيخا ، والمؤمن عن الشكر . قال الإمام النووي : سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها لا سؤال توبيخ ومحاسبة .

( الرابع ) : قال الإمام ابن الجوزي قدس الله روحه : من تفكر في أقل نعمة علم أن شكرها لا يستوعبها قال : ولو ذكرنا نعمة واحدة لما أحطنا بحواشيها . .

التالي السابق


الخدمات العلمية