الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 239 ] 511 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي كان يكتب له لما كان يملي عليه : غفورا رحيما ، فيكتب : عليما حكيما ، ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم : أكتب كذا وكذا من هذا الجنس ، فيقول : نعم ، اكتب كيف شئت .

3211 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد ، عن أنس رضي الله عنه ، أن رجلا كان يكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد قرأ البقرة وآل عمران ، وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عد فينا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يملي عليه : غفورا رحيما ، فيكتب : عليما حكيما ، ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم : أكتب كذا وكذا ، فيقول : نعم اكتب كيف شئت ، ويملي عليه : عليما حكيما ، فيقول : أكتب سميعا بصيرا ، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب أي ذلك شئت فهو كذلك ، فارتد عن الإسلام ، ولحق بالمشركين ، وقال : أنا أعلمكم بمحمد ، إن كان ليكل الأمر إلي حتى أكتب ما شئت ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الأرض لم تقبله .

[ ص: 240 ] قال أنس : فأخبرني أبو طلحة أنه رأى الأرض التي مات بها ، فوجده منبوذا ، قال أبو طلحة : ما شأن هذا ؟ قالوا : إنا دفناه مرارا ، فلم تقبله الأرض
.

3212 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أيوب ، عن حميد ، عن أنس ، ثم ذكر مثله .

فقال قائل : قد ذكرت فيما تقدم من كتابك هذا في باب مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : أنزل القرآن على سبعة أحرف ، ما ذكرته فيه ، وذكرت فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق لهم ما أطلق [ ص: 241 ] لهم فيه مما تأولت السبعة الأحرف المذكورة فيه عليه إلا لضرورة إلى ذلك والعجز منهم عن حفظ الحروف بعينها ، وأنه في الحقيقة فيما أنزل عليه كما في المصاحف المنقولة إلينا التي قد قامت الحجة بما فيها علينا ، وأنه لا يتسع لنا أن نقرأ شيئا من القرآن بخلاف الألفاظ التي فيها ، وإن كان معناه معنى ما فيها .

وفي هذا الحديث ما يخالف ذلك ، ويرد الأمور إلى المعاني التي في الحقيقة إلى ما قد قيلت عليه ، وإن اختلفت الألفاظ بها مع استواء المعاني فيها .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الذي في هذا الحديث ليس من ذلك المعنى الذي ذكرناه في ذلك الباب ، وذلك أن المعنى الذي ذكرناه في ذلك الباب هو في القرآن لا في غيره ، والذي في الحديث الذي ذكرناه في هذا الباب قد يحتمل أن يكون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمليه على ذلك الكاتب من كتبه إلى الناس في دعائه إياهم إلى الله عز وجل ، وفي وصفهم له ما هو جل وعز عليه من الأشياء التي كان يأمر ذلك الكاتب بها ، ويكتب الكاتب خلافها مما معناها معناها ، إذ كانت كلها من صفات الله عز وجل .

فبان بحمد الله ونعمته أن لا تضاد في شيء من ذلك ولا اختلاف ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية